د. يحيى حسين زامل
رَوّجت البروباغندا الصهيونية الكثير من الاكاذيب والخرافات والأساطير بشأن احتلالها واستيطانها أرض فلسطين، وهذه الأساطير كذبتها الأنثروبولوجيا والأركيولوجيا، وبحوث الحوليات التاريخية والثقافية، التي نشرتها تلك السرديات الصهيونية المدعاة، طوال التاريخ.
وبذات الصدد يقول «محمد النابلسي» في مقالته «الأنثروبولوجيا ومحاولات تزييف التاريخ» المنشورة في «كتاب باحث للدراسات»: «علينا أن ندرك أننا نقارع أساطير، وأن الخطوة الأهم في هذه المقارعة هو إجبار اليهود على العودة للاحتماء بالأساطير لكشف زيف الموضوعية التي يدعونها، وعليه فإن الأنثروبولوجيا هي الحكم في هذه المقارعة، وهي بلا شك تتدعم مع الوقت بالبحوث الأركيولوجية الحديثة».
وبالسياق نفسه فقد قدم المؤرخ الإسرائيلي «إيلان بابيه» في كتابه «عشر أساطير حول إسرائيل» عام 2017، وهو أستاذ بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكسيتر بالمملكة المتحدة، تهافت الدعاية الصهيونية التي تجحف حق الشعب الفلسطيني في أرضه، ودحضها من خلال دراسة تلك الاساطير وفحص سياقها التاريخي، ومعرفة مدى انسجامها مع وقائع التاريخ الحقيقية، وتبيان الحجج المقابلة لها بوساطة منهج علمي وموضوعي.
ومن هذه الأساطير اسطورة المحرقة لليهود، واسطورة أرض فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، واسطورة أرض الميعاد من نهر النيل إلى نهر الفرات.
وأن القدس هي مركز تلك الأرض، وأنها عاصمة الآباء والأجداد، وغيرها من الأساطير، التي روجوا لها كدعاية لإقامة دويلة صهيون.
وتفنيداً لهذه الأساطير يرى المفكر اليهودي الفرنسي «جاكوب كوهين»: (أنّ المحرقة ذريعة اتخذها الصهاينة لجلب اليهود إلى فلسطين، ودحضت الأنثروبولوجيا مقولة إن فلسطين كانت أرض خالية أو فارغة من أي شعب، بل تؤكد وجود الشعب الفلسطيني فيها من خلال وجوده وثقافته وتاريخه الأصيل في تلك الأرض.
ويكذب الأركيولوجي الإسرائيلي «إسرائيل فنكلشتاين»، أيّ صلة لليهود بالقدس، من خلال تقريره الذي نشره عام 2011م، والذي قال فيه: (إنّ علماء الآثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم بعض القصص الواردة في التوراة).
ويذكر المؤرّخ اليهودي «شلومو ساند» في كتابه «كيف اختُلق الشعب اليهودي؟» إنّ القومية اليهودية خرافة، وأنّ اليهود الحاليين ليسوا أحفاد اليهود
القدماء.
ونهاية القول لا بد لنا أن ندرك «أن الحرب ليست نزهة.. وأن المقاومة ليست ترفًا»، وأن خيار المقاومة ضد هذا الكيان الغاصب من عدمه بالنسبة للشعب الفلسطيني خيار خاص بهم، ولا يحق لأحد ما أن يملي عليهم خياراته أو أمنياته أو تطلعاته، فالأرض أرضهم والحق حقهم، وهم وحدهم يختارون الزمان والمكان المناسبين بالنسبة لهم، بصرف النظر عن خيارات الآخرين.
وهذه الحرية هي الحق الذي منتحهم أيّاه الطبيعة الكونية والدساتير والتعاليم الدينية والمدنية والإنسانية في كل وقت، شاء من شاء وأبى من أبى، لذلك فليس من حق أي أحد منا أن يضع عليهم لوماً أو عتباً ماضياً، حول طبيعة الصراع مع كيان غاصب بنى وجوده على أساطير وأوهام وخرافات واكاذيب كبروباغندا، يمارسها لتغييب وعي الشعوب في الإعلام الداخلي والعالمي مكرراً تلك الأكاذيب الممولة من خزينة الدول الغربية، التي هي بالأساس أموال وثروات الشعوب المُستعمرة والمُستغلة من بلدان الشرق والغرب.
كما أن وصم المقاومة بالإرهاب لا شك بأنها وصم معكوس لحالة المحتل، الذي عجز عن محو روح المقاومة في الشعب، تلك الروح التي تشعبت وتجذرت في كل قلب وفي كل نفس يتنفسه أهل فلسطين، سواء غارت على عدو غاشم أم أجلت تلك الغارة بشكل مؤقت إلى حين، فأهل فلسطين أدرى بشعابها.