هل يقتل المتلقي غموض النخبوية؟

ثقافة 2019/05/11
...

صلاح حسن السيلاوي 
 
 تشهد الكتابة الإبداعية في العالم العربي والعراق تضييقاً غريباً فهي تتحرك في أيدي النخبة المثقفة فقط حتى أنها  صارت تعاني من غربة في ظل تطور أدواتها وتقنياتها الفنية بعيداً عن الأخذ بنظر الإعتبار إمكانية المتلقي ومستوياته.  الكتابة التي كانت وما زالت تهدف إلى حمل المضامين الانسانية الى اكبر عدد ممكن من الناس باتت في ليلٍ طويل تتقاذفها ظلمات من الغموض  حتى صرنا نتساءل:  هل نحن في أزمة اسمها( الكتابة النخبوية) ؟ أينطلق الكاتب في خياره وخطابه النخبوي من غربته مع الجمهور؟ أيمكن ان يكون المجتمع ضحيةً لهذه النخبوية التي تمنع عليه افكارها حين تضع عليه شروطاً تتمثل في ضرورة ارتفاعه إلى مستوى كبير من الفهم قد يصل الى التعقيد ؟ هل نحن في طريقنا لقتل المتلقي؟
بعيدا عن القارئ
الشاعر حامد الراوي  أشار في إجابته إلى قراءته في كل يوم ما يقارب دراسة او بعضا منها، في كتاب أو مجلة او على صفحات الشبكة العنكبوتية، صار معها الراوي يوما بعد يوم، متيقنا من فكرة بسيطة و لكنها خطيرة على حد قوله ؛ و هي أننا لا نضع القارىء في الحسبان، و أننا قتلنا التلقي.
وأضاف بقوله: انا مثل كثير من أترابي ، بدأت القراءة مبكرا جدا ، بفضل الجيل الذهبي من المعلمين ، و كنا نفهم ما نقرأ بسهولة و يسر ، سواء كنا نقرأ للمنفلوطي أو العقاد أو طه حسين ، و لا أستثني من ذلك الكتب المترجمة التي صرنا حريصين على قراءتها فيما بعد . اما اليوم ، فأنا ، و أنا بهذا العمر ، قد اعيد قراءة فقرة من دراسة مرة بعد مرات فلا أصل الى معناها و مقصودها إلا تخمينا. و لهذا سأطرح السؤال بسيطا و ساذجا و واضحا : لمن نكتب ؟ و من المعني بقراءة تلك الكتب و مثلها الدراسات التي نراها في مجلاتنا الأدبية و الثقافية ، و أين نحن جميعا في صدور طلبة المدارس المتوسطة و الأعدادية ، و لا أستثني طلبة الكليات أيضا . 
و من هم المحظوظون منا ، ممن يحفظ ذلك السواد الأعظم الذي ينبغي ان تتجه الكتابة إليه ، أسماءهم أو أسماء مؤلفاتهم ؟!! إن الدراسات والنصوص تبحثان عن قارئ ، و نحن قتلنا القراءة و قتلنا القارىء .
 
نص بأسلاك شائكة 
القاص ابراهيم سبتي يرى أن النص الذي نسوّده على الورق سيتوجه الى النخب الادبية والثقافية وليس الى المتلقي الذي بات بعيدا عن كل ما يكتب او قل سيكون بعيدا في اقرب وقت لان وسائل الكتابة وادواتها لم تعد ساكنة بل انها تتحرك وتتطور اسوة بتقدم عناصر التطور الاخرى.  لافتا لاى أن حرمان المتلقي من متابعة ما يُكتب سيجعل وضع الادب صعبا للغاية من ناحية التعميم والانتشار فالأدب وجد لكي ينتشر.
وأضاف سبتي قائلا :  ان التطور الهائل والمدهش الذي يحصل في مختلف الكتابة الابداعية وادواتها الفنية، ما هو الا نتيجة طبيعية للتطور في التقنية المتسارعة والتي بات اللحاق بها امرا صعبا يحتاج الى الجري بكل قوة للحاق به . لكن هذا الانتشار بات محدودا حين نجد ان الكاتب يوجه خطابه لزميله الكاتب او المثقف لان النص بات مشفرا ومليئا بالأسلاك الشائكة والتعقيدات التي طالت عناصره المعروفة بحجة تطور الوسائل. فربما يتحسر المتلقي المتابع على الايام الخوالي حين كان يقرا نصا وهو يستمتع به وكانه يكتشف كنزا . هل سيذهب هذا الجمال مع اصرار البعض على الكتابة بالات مسننة ومشفرة بدلا من الكتابة بأدوات متاحة الفهم ؟ وحين تتطور ادوات الكتابة وتتنامى مستوياتها الابداعية ، فربما تكون صعبة على مدركات المتلقي وفهمه  وبذا ستضيق فضاءات الكتابة الابداعية وربما تبتعد عن رسالتها المحددة لانها تطورت هي ايضا وهو امر ينذر بفقدان المتلقي
 او قتله .
منغصات القراءة 
الشاعر نامق عبد ذيب قال : هذه مشكلة كبيرة يا صديقي، أعاني منها منذ زمن، فما أن أبدأ بقراءة مقال نقدي أو كتابة أدبية أو إبداعيّة ما حتى تبدأ منغصات القراءة منذ السطر الأول، فأضيع في كلام يحاول كاتبه أن يتحاذق عليّ أنا القارىء المسكين الذي اشتريت كتابه أو صحيفةً أو مجلّة فيها هذا المقال أو تلك الكتابة الأدبية، وأنا أعدّ هذا من سوء الحظ أن أقتطع من رزق عيالي ثمنًا لما أظنه غذاءً روحيّا وفكريّا لكنه في الحقيقة غُثاء متراكم من مفاهيم ومصطلحات وأفكار مغلقة مصبوبة في صفحات لامعة بألوان برّاقة، وهذا ما يحدث معي أنا الذي قضيت عمري أقرأ وأكتب وأكاد أعد نفسي من ( النخبة المثقفة ) التي تطاردُ الكتابَ والمجلة والصحيفة بشتى أنواعها واتجاهاتها، هكذا حتى هذه النخبة لا تفهم ما يقال، وهذا ما يرسخ المشكلة ترسيخا مأساويّا، فالسؤال الذي طُرح على أبي تمّام عن كتابته ما لا يُفهم وإجابته عنه بلماذا لا تفهم ما يُقال، ربّما كان موجّها لقارىءٍ عادي وليس للنخبة المثقفة آنذاك، هذا ونحن نتحدّث هنا عن القارىء النخبوي إن صحَّ القول، فكيف بنا ونحن نتحدّث عن القارىء ( العادي ) الذي يشتري مجلّة أو صحيفة أو كتابًا فيفاجأ بمقال ملّغز أو بنقد ( حداثوي ) كتبه أحد أُلعبانات النقد الذين كلّ همهم أن يملآوا فراغ الأوراق بالأحاجي والطروحات والمصطلحات المترجة ترجمة سيئة، أو بقصيدة نثر لا يُعرف رأسها من رجليها كتبها أحدهم ممن صاروا بين غمضة عين وانتباهتها ( شعراءَ ) يهذون بأمراضهم ويريدون إصابة القراء بعدوى مميته لا تنفع معها أقوى المضادات الثقافية، ثم أكاد أقسمُ أنّ بعض من يكتبون هذه الكتابات ( الإبداعية ) ربما لا يفقهون ما يكتبون، وأننا إذا ما طلبنا منهم تفسير بعض ما يسطرونه لأدخلونا في فذلكات بعيدة كل البعد عن مقاصدهم في
 الكتابة.