نزعُ الإنسانيَّة بتعطيل الخلايا العصبيَّة المرآتيَّة

آراء 2023/10/31
...







 سناء الوادي 


بتنا نحن الشعوب العربية نستجدي إحياء الفطرة الإنسانية عند سكان الأرض، فنحاول إيصال ما يجري من أحداث ينأى لها الجبين في غزة بأي طريقة ليرى العالم عهر الكيان المحتل وتطرفه، بيدَ أنه ومع ذلك لا نرى إلا التعاطف مع إسرائيل ومساندتهم والوقوف صفاً إلى صف معهم، فتتوالى تصريحات المسؤولين الغربيين والأمريكيين حول ما يقاسيه المستوطنون من الخوف والقلق على أبنائهم الرهائن عند المقاومة الفلسطينية، فتجد العيون تتباكى على قتلاهم والكل أعطاهم الحق بالمحرقة الجماعيَّة لأهل غزة للدفاع عن النفس.

هذا وقد عادت سياسة ازدواجيَّة المعايير للواجهة بشكل فاضح إبان هذه الأحداث، إلا أنها كشفت أيضاً عن السياسة الممنهجة التي تمارس على الشعوب الغربية، لنزع الصفة الإنسانية عن شعوب العالم الثالث، فنصبح بنظرهم بشرا من الدرجة الثانية أو الثالثة، علينا أن نفنى ليعيشوا هم بسلام، فعندما تم الاتفاق بجمع يهود العالم في أرض فلسطين، بدلاً من إنكلترا والتي كان من المفروض ان تجمع اليهود بين ظهرانيها، انطلقت أولى تلك المنهجيات لتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم أولاً ثم أرضهم وبلادهم، فلم يعد التعاطف العالمي معهم بالسوية الإنسانية ذاتها مع باقي البشر. وليس بعيداً في ذاكرة التاريخ عندما تمت ممارسة هذا الأسلوب، تجاه الناس القاطنين في بقاع مختلفة من العالم قبيل الحرب أو التهجير أو الإبادة، وكل ذلك لغايات سياسية دنيئة صنفت البشر بدرجات متفاوتة، فمن المؤكد أننا نذكر كيف كان يساق الأفارقة من القارة السمراء بالسفن مكبلين كالدواب إلى الأمريكيتين لإعمارها، والعمل فيها كعبيدٍ منزوع عنهم أي حق من حقوق الإنسان، فكانوا يحرمون من تسمية أبنائهم، بل يتم تسجيلهم بالأرقام، وأمّا ما جرى بعد أحداث الحادي عشر من أيلول في واشنطن قد برر لها غزو أفغانستان والعراق بكل وحشية وانتهاك حقوق المدنيين وقصفهم، ضاربين بالقانون الدولي عرض الحائط، فقواعده لا تنطبق على البشر من الدرجات الدنيا، حتّى أننا نذكر الممارسات الشنيعة، التي قاموا بها في سجن أبي غريب... والأمثلة كثيرة جداً. وفي هذا السياق لا بد أن أعرج على الاكتشاف المهم، الذي اكتشفه عالم الدماغ الإيطالي «جياكوبو ريزولاتي» حول وجود خلايا عصبية في أقسام الدماغ الأربعة مسؤولة عن التعاطف الإنساني، تسمى الخلايا المرآتية تجعل من الشخص يحاكي ما يراه أمامه من أحداث، فيتعاطف معه في الفرح والحزن والألم، وهذا ما يطرح التساؤل بشأن هذه الخلايا وماهية وجودها عند الشعوب الغربية، وكيف يتم تعطيلها والقفز فوقها وكيف يتم تفعيل ذلك، ومن خلال المتابعة الحثيثة استنتجت أن الإعلام الغربي كان الذراع الأساسي لزرع تلك المفاهيم في الأوساط الغربية، فنحن شاهدنا في الأيام الماضية تسليط الضوء بكثافة على الطفل الإسرائيلي ومدى شعوره بالخوف ومشاهد المدنيين المذعورين المسافرين في مطار بن غوريون وأمهات الأسرى وشكواهم، ولا شيء حرفياً عن معاناة الشعب المحاصر صاحب الأرض، ناهيك عن التصريحات الوقحة لرؤساء الدول الكبرى حول حق إسرائيل بمحو المقاومة من جذورها، فضلاً عما أدلى به وزير الدفاع الإسرائيلي «يو آف غالانت» أنه لا ماء ولا كهرباء ولا وقود لأهل غزة لأنهم حيوانات بشرية، وما سبق ذلك من الإعلان صراحة عن رغبة وزير المالية «سمودريتش» بمحو قرية حوارة عن الوجود، فهي تزعج المستوطنات المجاورة باستمرار، ولا يفوتنا ما تحدّث عنه الرئيس الأميركي مؤخراً عن الإسلاموفوبيا الذي يعتري المجتمعات الغربية ممهداً لنزع صفة المقاومة عن حركة حماس وإدراجها في قائمة الإرهاب، وقد ضجت الأوساط الإعلامية قبل أيام بحادثة قتل الطفل المسلم ذي الأعوام الستة على يد رجل أمريكي ستيني لا لشيء فقط لأنه مسلم.

كل ما سبق يجعل من تحركات جيوش الناشطين على جميع الوسائل الإعلامية ضرورة ملحة لتغيير تلك الأيديولوجية الراكدة في أذهان الشعوب الغربية، نحن لا نستجدي التعاطف نحن نسعى لإيصال صوت الحق لمزيد من الضغط الشعبي على الحكومات الغربية، لوقف حمام الدم والإبادة العنصرية ضد الشعب الفلسطيني المدني الأعزل. 

 كاتبة سورية