يظل الحديث عن جلال الدين الرومي دائماً وابداً بلا انقطاع في كل الليالي والمناسبات وحين يكون الحديث عن الشعر والتصوف والعرفان والعشق الالهي والوحدة والاتحاد والحلول والسكر والذوبان في المحبوب كلها مفردات عوالم لاتفنى استطاع من خلالها هذا العارف والشاعر والعاشق الكبير ان يمتلك سر الخلود والديمومة ليس عندنا فقط في البلاد العربية وانما في العالم اجمع وخصوصاً في اميركا حيث ومن خلال استقراء واسع تبين انه اكثر شاعر مقروء في اميركا هو جلال الدين الرومي ، وحياة الرومي هي مزيج من الحياة المترفة والمؤامرات والدراما المفجعة ممزوجة مع تفجر ابداعي كثيف، فالرومي الذي ولد في احضان الثروة والسلطة وعالم السياسة كان عضواً في المجتمع الراقي فهو العبقري والعالم الرصين.
التقى الرومي برجل ناسك يجول البراري اسمه شمس الدين التبريزي ذلك اللقاء الذي غير حياة الرومي وقلبها رأساً على عقب ، متجهاً به نحو الفناء في الله متنازلاً عن مكانته الرفيعة في مدرسة قونية للفقه وعندما اكتشف العشق الحقيقي حطم معظم قوالب حياته وعلمه وفقهه وحرر فكره، وفي بحر ذلك العشق ذاب كما يذوب الملح في الماء ولم يتبق في قلبه لا كفر ولا ايمان ولاشك ولا يقين ، صار الرومي بعد ذلك مادة حية ليس للدراسات حسب ولا للفلسفات الروحية ولكن ايضاً للروايات والسرد، كتب عنه الكثير وصار مادة وثيمة رئيسية للكثير من الروايات اذكر منها (قواعد العشق الاربعون) لأليف شافاق و (الرومي : نار العشق) لنهال تجدد والكثير الكثير ولا انسى الباحثة المفكرة الفرنسية (ايفا ميروفتيش) التي دخلت الاسلام عن طريق الشاعر محمد اقبال لاجل دراسة الرومي والتعرف عليه لهذا قالت:
لقد كرست كل حياتي للشاعر الصوفي الكبير مولانا جلال الدين الرومي، لاني وجدت ان رسالته تخاطب الوقت الراهن، انها رسالة حب ، ذات بعد اخوي، ثم قبل موتها اوصت ان تدفن قرب قبر الرومي في قونيه ولكنها دفنت في باريس وبعد سنوات أي بحدود 2008 عمد اصدقاؤها في تركيا الى نقل جثمانها من باريس الى قونية حيث دفنت، من هنا اجد ان الرومي صار رمزاً ايقونياً مبهراً في الشعر الذي تحول الى مادة ليس للحياة فحسب وانما للرقي الروحي والتألق الوجداني والمعرفي فقد تحول الرومي من رجل دين تقليدي الى راقص مبتهج زنديق وعاشق لله شغوف به عن طريق لقائه مع شيخه شمس التبريزي: العالم مرئي/ ولكن جوهره سر / الجوهر هو رسالته / العالم في كلمات... وله ايضاً: أعطنيه / حيث انني سأسكر بكأس الله/ وافنى تماماً/ سأفرد جناحيّ في الغياب/ واطير الى مكان هو اللامكان ..