السودانيّ بين غرماء وشركاء

العراق 2023/10/31
...

أحمد عبد الحسين



مرّ عام كامل على تشكيل حكومة السيّد محمد شياع السودانيّ. وقد يكون العنوان الأبرز للسنة الحكومية هذه هو الهدوء السياسيّ الذي افتقرنا إليه طوال عشرين سنة. لأننا منذ التغيير في 2003 كانت حكايتنا هي الحكاية التي وصفها شكسبير في مسرحيته «ماكبث»: (حكاية يرويها مجنون ملؤها الصخب والعنف).

أما الصخبُ فكان يتمثل في الهرجة التي يثيرها اللصوص والسرّاق الذين جعلوا العراق أكبر سوق فساد في التاريخ، وأما العنف فهو قعقعة السلاح بمناسبة وبدونها للتعمية على صخب سرقة المليارات.

لكنّ الهدوء حلّ أخيراً. انسحاب الصدريين مكّن الإطار من تشكيل الحكومة بصعوبة وبكثير من المداولات والمناورات بين غرماء هم أنفسهم شركاء في الحراك السياسيّ وتوابعه الاقتصادية. وكانت الفضيلة التي تُحسب لهذه الحكومة وللسوداني شخصياً أنه تمكّن من الإبقاء على الفاعلين السياسيين بوصفهم شركاء وتأجيل تحوّلهم إلى غرماء من جديد.

أقول «تأجيل» لأنّ نهاية الخلاف تعني نهاية العمل السياسيّ، ولأنّ الساسة لدينا اعتادوا على الاستثمار في الأمور الخلافية استثماراً ذكياً يدرّ عليهم مسكوكات مادية ورمزية كثيرة. ولأنّ الخلاف قابع في أصل العمل السياسي العراقي مادام هذا العمل يتوسّل بالمكوّنات ويحتقر مفهوم المواطنة.

الهدوء الحذر هذا كان كافياً للسوداني لإحداث اختراقات حقيقية في ملفات كانت مستعصية، كالنجاح النسبيّ في الملف الخدميّ والانفتاح على المحيطين الإقليمي والدوليّ وموارد اقتصادية كدعم ذوي الدخل المحدود وتحسين مفردات البطاقة التموينية وتعيين حملة الشهادات وسواها.

مهمّة السيد السودانيّ التي لن تكون سهلة أبداً تتمثل في تحويل الهدوء الحذر إلى هدوء مستقرّ، خاصة أن التهاب المنطقة ووقوفها على شفير حرب متوقّعة يفرض على الساسة شعوراً أكبر بالمسؤولية.

غير أن هذه المهمة تصطدم بالعقلية السياسية التي لا يعرف أغلب الساسة سواها، وهي العقلية التي تجعلهم ممثلي مكوّنات وناطقين باسم طوائف وقوميات. ومنطق المكوّنات منطق قابل للانفجار في أية لحظة، تتحكم فيه حوادث تبدو جزئية بل تافهة أحياناً لكنها قابلة لاستثمارها من قبل الفاعلين المكوناتيين 

وصرفها على هيأة أزمة.

أسهل شيء في العالم هو صناعة أزمة في دولة يقودها سياسيو مكوّنات. وأصعب شيء أن تكون رئيس وزراء فيها وأنْ تضبط إيقاع العمل بأن تقنع الغرماء بالبقاء شركاء.