ميثيل أغروال
ترجمة: مسلم غالب
قُتلت الطفلتان ليلة الثلاثاء الماضية، عندما دمر قصفٌ نحو 15 منزلاً في المنطقة، الأمر الذي أسفر عن مقتل 37 شخصًا على الأقل، وفقًا لمسؤولي الصحة المحليين. وتمَّ تصوير عمليَّة انتشال جثثهم من قبل فريق شبكة إن بي سي نيوز في قطاع غزة.
قام الرجال بلف الطفلتين في ملاءات وحملوهما إلى الجزء الخلفي من شاحنة صغيرة، وكانت الأصغر لا تزال محتضنة ذراعي أحد الرجال. وتمَّ نقلهما إلى المشرحة ووضعهما إلى جانب عشرات الضحايا الآخرين الملفوفين في الأكفان، بينما كان أفراد أسرهم يضجون بالبكاء.
ويوضح مقتل الأختين حمدان الخسائر الفادحة التي ألحقتها الحرب بسكان غزة الذي يشكل الشباب أغلبيَّة ساحقة من بينهم. يشكل الأطفال ما يقارب نصف سكان غزة البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة، ولد الكثير منهم خلال الحصار الصارم الذي فرضته إسرائيل على غزة منذ 16 عامًا، وهم الآن يشاهدون القنابل تدمر أحياءهم.
وفي العام 2022، كان 4 من كل 5 أطفال في غزة يعيشون بالفعل مع الاكتئاب والخوف والحزن، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة إنقاذ الطفولة. حسب هذا التقرير أكثر من نصفهم فكروا في الانتحار.
هذه الحرب جعلت الأمر أسوأ. قُتل ما لا يقل عن 2704 أطفال، وفقًا لمسؤولي الصحة الفلسطينيين، منذ أنْ بدأت إسرائيل قصفها على غزة ردًا على هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1400 شخص في إسرائيل واحتجاز أكثر من 220 رهينة. ويقدر أنَّ 830 طفلاً آخرين ما زالوا عالقين تحت الأنقاض في غزة.
تقول أديل خضر، المدير الإقليمي لمنظمة اليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بيانها: «إنَّ الوضع في قطاع غزة يشكل وصمة عارٍ متزايدة على ضميرنا الجماعي. معدل وفيات وإصابات الأطفال مذهل». ويضيف بيان اليونيسيف: « لقد تعرض تقريبًا كل الأطفال في قطاع عزة لأحداثٍ محزنة وصدمات نفسيَّة عميقة للغاية».
لقد وصل الوضع الإنساني في غزة إلى نقطة غير مسبوقة، مع نقصٍ حادٍ في الغذاء والمياه والكهرباء. المستشفيات تعملُ على آخر قطرة من الوقود. ووصفت وزارة الصحة في غزة، الثلاثاء الماضي، النظام الصحي في جنوب غزة بأنه «في حالة انهيار كامل».
صرح الجيش الإسرائيلي بأنَّ تحذيرات نقص الوقود لن تجبره على إنهاء عملياته في غزة.
تكافح الملاكات الطبيَّة للتعامل مع المئات من الإصابات التي تأتي من الأبواب كل يوم، وكثير منها للأطفال. وفي مستشفى ناصر بخان يونس، يهمس الدكتور أكرم العويني بالتأكيدات لزينة الأبرشلي، البالغة من العمر 6 سنوات، التي كانت تئنُّ ويغطيها الرماد. يخبرها أنها بخير، ولا داعي للخوف، وأنها ستعود إلى المنزل قريباً، بينما يقوم الكادر الطبي بفحصها بحثًا عن إصابات. ثم يأخذ قفازًا مطاطيًا وينفخه مثل البالون ويسلمه لها.
يقول العويني لطاقم شبكة إن بي سي نيوز: «كانت إصابتها طفيفة، لكنَّ حالتها النفسيَّة فظيعة». ويضيف قائلًا: «نفخت لها بالونًا وحاولت اللعب معها لأطمئنها بأنَّها في أيدٍ أمينة في المستشفى قدر الإمكان، وأنَّ هناك أملاً».
وقال جيسون لي، مدير منظمة إنقاذ الطفولة في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلة، في بيانٍ صدر في وقتٍ سابقٍ من هذا الأسبوع، «إنَّ أجساد الأطفال معرضة بشكلٍ خاصٍ لتأثير الأسلحة المتفجرة. تتناثر أجسادهم بشكلٍ أقوى وأبعد بسبب الانفجارات. وعظامهم تنحني أكثر، ما يزيد من فرص الإصابة بتشوهات طويلة الأمد مع فرصٍ ضئيلة للشفاء. ولديهم كميَّة أقل من الدماء ليخسروها».
وفي مستشفى الشفاء بمدينة غزة، قدر الدكتور غسان أبو ستة أنَّ نصف المصابين تقريبًا هم من الأطفال. وقال أبو ستة بينما كان يلف المريض بطبقات من الشاش: «معظم الإصابات إما أنْ تكون مثل هذه الإصابة، حيث يكون هناك انفجارٌ مباشرٌ يؤثر في أنسجة الجسم، أو يكون هناك حرق». ولا يزال المزيد من الأطفال المصابين مكتظين في أروقة المستشفى، في انتظار العلاج.
وقال ناصر الدين أبو طه، ممرض الطوارئ في المستشفى، إنَّ الزيادة في عدد المرضى كانت كبيرة للغاية، في بعض الأحيان، لا يكون لدينا الوقت لمواساة الطفل أو تهدئته. نحن بحاجة إلى علاج أكبر عددٍ ممكنٍ من الأشخاص، وبأسرع ما يمكن».
ووفقاً لوزارة الصحة في غزة، فقد تمَّ إغلاق 12 مستشفى بسبب الأضرار أو نقص الإمدادات والوقود، إلى جانب 32 مركزاً آخر للرعاية الصحيَّة الأوليَّة، ما أدى إلى زيادة العبء على المرافق التي لا تزال مفتوحة، ولكنها تعاني من الإرهاق وصعوبة العمل.
ومع اقتراب الموت بشكلٍ عشوائي، بدأ الآباء في كتابة أسماء الأطفال على أرجلهم، حتى يتمكنوا من التعرف عليهم إذا تمَّ نقلهم إلى المستشفيات أو المشارح. وفي مستشفى الشفاء، يقول أبو طه: «إنَّ الكادر الطبي أيضًا بدأوا في كتابة الأسماء على أيدي وأرجل الأطفال. هناك الكثير من الأشخاص الذين يموتون، لذلك نكتب الاسم حتى تتمكن أفراد أسرهم من التعرف عليهم»، ويضيف قائلاً: «عندما لا يتبقى من وجه الطفل ما يمكن النظر إليه، فإننا لا نسمح للأسر بالنظر إلى وجوه الأطفال، إنه أمرٌ مؤلم».
المصدر: شبكة إن بي سي نيوز