أوهام السلام

آراء 2023/11/02
...







 نرمين المفتي 


تمر مفارقة غير مدهشة مع القصف الصهيونى المتوحش ضد غزة المفروض أن تدق ما قد يكون آخر جرس انذار في المنطقة العربية، وهي مؤتمر مدريد للسلام، الذي عُقد للفترة من 31 تشرين الاول إلى 1 تشرين الثاني 1991 برعاية الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، الذي سيتفكك في 28 ايلول 1991 ايضا.

وكانت الإشارة الاولى الواضحة جدا لمؤتمر (السلام) في خطاب جورج بوش الأب امام الكونغرس الأمريكي في 8 اذار 1991 وتحدث فيه عن (النظام الجديد في الشرق الأوسط)، والذي شرحه الكاتب والمؤرخ الصهيونى والسفير السابق للكيان لدى أمريكا، مايكل أورين، بأن محور برنامج بوش الأب في هذا النظام الجديد كان «تحقيق معاهدة عربية - إسرائيلية قائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام». 

وكانت الخطوة الأولى للنظام، اعلان بوش الأب عن قراره لمؤتمر سلام دولي بعد الانتصار الأمريكي في حرب الكويت، والتي نتجت عنه قواعد أمريكية برية وجوية وبحرية دائمة في منطقة الخليج العربي.

في ما بعد سنقرأ في كتاب نتانياهو (A place among the nations) في 1994 والذي ترجم إلى العربية بعنوان (مكان تحت الشمس) عن تدمير العراق كله وليس النظام السابق وقال “ماذا نفعل مع 25 مليون عراقي في داخل كل واحد منهم نبو خذ نصر”، ولذلك سيستمر الحصار الذي سينهك العراق والعراقيين تماما، حتى الغزو وبعد نيسان 2003 سيتم انهاك العراق والعراقيين بالعنف والارهاب وفرق الموت والظلاميين، الذين مثلتهم داعش (بأفضل صورة مطلوبة)، ومع مشاهدة اثار التوحش من الدمار وعدد الشهداء في غزة سنعرف أين تدرب الظلاميون، ومن كان ولا يزال يشرف عليهم.  

ما أريد قوله هو إن مؤتمر مدريد والتي شاركت فيه وفود من مصر وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين بوفد واحد ومثلت الفلسطينيين شخصيات من غزة والضفة الغربية، بسبب إصرار الكيان على عدم مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية.

وتوالت المؤتمرات والاجتماعات لأجل (السلام) في ما بعد، وصولا لاتفاقات التطبيع، التي بدأت بشدة ووضوح في السنتين الاخيرتين، وكان دائما هناك شرط فيها وهو ايقاف بناء المستوطنات، ومنذ مؤتمر مدريد، تم بناء آلاف المستوطنات، وتم قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية.

ومن يطالب الكيان بتنفيذ شرط، وهو ومنذ قرار إنشائه وتقسيم فلسطين في 1947 لا يزال وبدون خوف من اية عقوبات دولية يرفض تنفيذ القرارات الأممية، التي أصدرها مجلس الأمن- الأمم المتحدة بشأن فلسطين وشعبها، ومن بينها القرار 149 في 1948 والقراران 243 و273 في 1967، وفي هذه القرارات كلها فقرات تشير إلى حق عودة اللاجئين الفلسطينين وحق تقرير المصير.

لست بصدد الحديث عن مؤتمرات السلام، التي لا سلام فيها سوى للكيان ولا عن القرارات الاممية غير المنفذة، علما أن رفض أية دولة لقرار أممي  حتما يضعها أمام عقوبات أممية ايضا، إنما اريد الحديث إلى ما يرتكب من جرائم حرب في غزة أمام أنظار العالم عامة، والعرب خاصة، والهدف أصبح يتّضح يوما بعد يوم (اكتب هذا المقال في اليوم الخامس والعشرين للتوحش الصهيونى)، وهو إبعاد سكان غزة إلى خارج الاراضي المحتلة، وبدأ الان يدور مقترح مفاده (تأجير الارض) من مصر بعد رفض السيسي لفكرة لإسكانهم في سيناء مؤقتا، فليس السيسي وحده، إنما الكل وبضمنهم الفلسطينيون في غزة، والضفة يرفضون نكبة تشبه نكبة ١٩٤٨ حين طالبوا الفلسطينيين باللجوء لفترة محدودة، ولم يعودوا حتى الآن.

إن (تأجير الأرض) يعني إسكان الفلسطينيين فيها لحين، وهذا (الحين) قيل إنه سيُناقش في ما بعد! إن كانت الأنظمة العربيَّة تبحث عن السلام الحقيقي وضمان حقوق شعوبها وأمانها وحق الشعب الفلسطيني وأمانه، فعليها أن تعمل على وقف إطلاق النار، وتكذيب نتانياهو الذي قال في مؤتمره الصحفي الأخير بأن أنظمة عربية تعرف أن عدم القضاء على (الإرهاب) في غزة يعني عدم استقرارها!، لا بد من إيقاف هذه المجازر والجرائم ضد الإنسانيَّة، كي يسير الكيان خطوة أخرى نحو تحقيق (من النيل إلى الفرات)، فالسلام الحقيقي لا يتحقق بالخنوع أبدا إنما يستمر وهما مكلفا جدا، غزة جرس إنذار، هل يسمعه الحكام العرب جيدا؟.