عصام كاظم جري
إن السّلام والتّسامح والوداد والإيثار ونكران الذات وطلاقة الوجه، فضلا عن الملامح المستبشرة تعدُّ مشاعر وأحاسيس وسلوكيات ومشاهد إيجابيّة وجماليّة للمرء وما هو محيط به، وتضيف هذه المشاعر طاقات كبيرة من التفاؤل والسعادة والرضا والنجاح، فضلا عن إثبات الذات، وتهذيب الذوق، وتنبسطُ هذه المشاعر لتصبغ المكان بصبغة جماليّة وإيجابيّة، نعم المحبة صنو الجمال لا خلاف في ذلك، أما الكراهية فهي نظيرة القُبح وهي أمُّ الآثام، وتعدُّ واحدة من السّلبيات التي ما إن وجدتْ طريقها إلى داخل المرء حتى قلبت حياته إلى أسى وألم ومعاناة، وأبعدتْ تفكيره عن تعاليم الجمال والمعرفة والتّثقيف والتّدريب والتّعبير الخلاق، فالضرر والضرار والتّدمير من صفات الكراهية.
أمّا التمسُّك بالأخلاقيات السّامية والتّعاليم الإنسانيّة والدينيّة تحثُّ المرء على المحبة والإيثار لأخيه الإنسان، فالأديان والموروث العربي القديم يدعوان إلى المحبة والتّسامح والغفران والتساهل في التعامل مع الآخر، والتماس العذار له، فلا بدّ من تغافل الكراهية ومغادرتها، لأنها تخلق دوائر مغلقة لا طائل منها ولا جدوى.
إن الانشغال بالقراءة والكتابة والتأمل تنأى بالفكر عن صغائر الأمور، وإنَّ بزوغ مشاعر الكراهية بين الناس يؤكد حب الذات المريضة، وحب الظهور وسيادة “الأنا المتعالية”، وبالتالي تدّمر هذه الأنا الفارغة المتضخمة كل القيم الدينيّة والإنسانيّة وما جاء به الموروث القديم من جماليات ومعرفيات، وهي بداية لنهاية الأخلاق، فالمشاعر السّلْبيّة تعود بنتائج نفسيّة سلْبيّة على الأفراد جميعا، ويسعى الكارهون لتأسيس مجتمعات منهارة نفسيا وجسديا (الكَرَاهِيَة أو الكُرْه أوالبُغض والبغْضاء أوالمقْت هي مشاعر انسحابيّة يصاحبها إشمئزاز شديد، نفور وعداوة أو عدم تعاطف مع شخص ما أو شيء أو حتى ظاهرة معين)، لهذا لا بدَّ من استئصال فعل الكراهية واستبدالها بالمحبة والسّلام والوداد والتّسامح.
إن مهارات الذكاء عند الإنسان مطلقة وغير محددة ولاتقفُ عند حد ما، وهي بذلك قادرة على فعل التحولات الاجتماعيّة، بلا أدنى شك، وتتيحُ للمرء فرصة السّيطرة والتّحكم على انفعالاته وأهوائه وهواجسه وظنونه النفسيّة، ولها القدرة الكبيرة في بناء قيم سامية مُترفعة ضد الرد السّلْبي، والمهارات واحدة من أهم طرق علاج الكراهية والعنف والتحريض عليهما.
تبقى الكراهية والحسد والبغضاء والتّنمر والاستخفاف بالآخر والتّعالي والنفور صفات سلْبية، بالوقت الذي عُرف عن الإنسان مجبول بالفطرة على المودة والرحمة والسّلام وجاء في قول أحد الشعراء: (اجعل شعارك رحمة ومودة إن القلوب مع المودة تُكسب).
إذًا للكراهية أذى وشر وحسد وغيرة وغيظ يلحقُ باآخر، وأحيانا ترتفع معدلات الكراهية وتصل إلى وضع العقبات أمام النجاح والتفوّق، وأحيانا أخرى تصل إلى العنف والقسوة والقتل، ومهما يكن الأمر فإن الشعور بالكراهية ليس له مُسوّغ من قبل أصحابه، ومن غير الإنصاف ان نضع مُسوّغات لفعل الكراهية مهما كانت الظروف والأسباب.
ولا يمكن أن تلبى حاجات الإنسان النفسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة بالكراهية، وهذا الفعل يذكرني بقول الجاحظ: (إنّ المعاني ملقاة على قوارع الطريق، وإنما يتميز الناس بالألفاظ.
فالمعاني يعرفها العجمي والعربي، البدوي والقروي، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخيّر اللفظ)، هذا القول يصح أن يكون مُناسبا في عدم تبرير أي فشل.
وبالمجمل مجالات الحياة أوسع، وممكن أن تُمنحَ لنا أكثر من مرة.