منى زعرور
بُعيد الاقتراب من الشهر على اندلاع حرب غزة، طلَّ السيد حسن نصرالله، قائد المقاومة الإسلامية (حزب الله) في لبنان، في خطاب متلفز، انتظره العالم والعرب على وجه الخصوص، لمعرفة موقفه من الحرب، وتحديد مسارها.
وكسر الصمت الغامض، الذي لف الموقف الكلاميّ للحزب حتى تاريخ اللحظة الخطابيَّة، رغم اندلاع المواجهات العسكريَّة على الساحة الشمالية.
وقد حمل الخطاب في بداياته، موقف التأكيد والتشديد على كون العمليات، التي قامت بها حركات المقاومة الفلسطينيَّة، قد حصلت دون التنسيق مع أي أطراف فلسطينيَّة داخلية أو حتى إقليميَّة، في إشارة منه لعدم تبلغ حزب الله أو إيران، قرار الهجوم المفاجئ.
وتبرئة استستثماره من أي طرف إقليمي. وبهذا فإن التحليل قد يُفضي إلى أن تحييد إيران والحزب عن معرفة قرار المواجهة جاء خدمة لدعم أحقيّة العمل العسكريّ، الذي قامت به حماس بمنطق الدفاع المحق عن قضية شعبها، أو أنه فعلاً كان إعلاناً صريحاً وواضحاً عن تفرد الفلسطيني في العمل مع أو دون تلقيه للدعم من جهات وأطراف جديدة.
وبعد تخصيص الجزء الأول لتحديد الأطروحة الأهم، استعرض السيد نصرالله ما قام به الحزب حتى الآن، على الجهة الشمالية من منطق “التأكيد على الفعل”، المباشرة بمساندة المقاومة الفلسطينيَّة منذ اللحظة الأولى، وذلك للرد على من يعدُّ أن ما تمَّ القيام به حتى الآن لا يندرج ضمن المطلوب منه أو انتظاره له لـ “إعلان للحرب”.
بعدها تمَّ تخصيص الجزء الأكبر من الخطاب، لاستخدام الستراتيجيات الإقناعية، باعتماد تحليل معطيات الحرب الميدانية، بأساليب عقلانيّة تعتمد البرهان بالأدلة والأرقام على الخسائر، التي منيّ بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، في المواجهات على صعيد الجبهة الشمالية، وأهمية الكشف عن هذه المعطيات، في تأكيد الدعم الكبير الذي قدمه ويقدمه الحزب للمقاومة الفلسطينيَّة والتخفيف عنها.
لاحقا، استخدم السيد نصر الله ستراتيجيات التضامن الخطابية، عبر التركيز على الدعم المعنويّ والعاطفيّ لأهالي غزة، واعتماد الثنائيات المتقابلة في المقارنة بين حربيّ تموز 2006 وغزة 2023.
وهذا الجزء من الخطاب كان لرفع معنويات الشعب الفلسطينيّ، وطرح النموذج اللبناني المنتصر بإرساء معادلات الصمود في حرب تموز، وأهمية الصبر والتطلع إلى تحقيق أهداف محددة، مع الاعتراف بأن المقاومة لم تمتلك حتى الساعة القدرة على تحقيق الانتصار الشامل.
مع ما يحمله هذا الجزء من استمالات تضامن عاطفيّة، تؤكد ترابط المصيرين وأهمية المقاربة الإنسانية والدينية للمأساة.
المسكوت عنه في الخطاب، كان “الخطوة القادمة”، حيث اختار الحزب من خلال الخطاب، فرض المعادلة المفتوحة والمرهونة بـ “حماية حماس” و”سلوك الإسرائيلي على الجبهة الشمالية”، مختصرا الموقف بكلمة “الغموض”، في رفض صريح لإعلان الستراتيجيَّة العسكرية، التي ممكن أن تتخذ إزاء تطور الأحداث، رغم التلويح الضمني بقدرة حماس على الصمود، والوثوقية لجهة عدم إرادة الأميركي بإشعال حرب إقليميَّة.
في هذا الخطاب، الذي حمل لغة التهديد الواضح والصريح للمصالح الأميركية في المنطقة، حضرت القوى الفاعلة من العراق حتى اليمن، في ما قامت وستقوم به.
غير أنه بالتزامن خُصصت شاشات عرض جمهورالخطاب مع ظهور السيد على قناة المنار (قناة حزب الله الإعلاميَّة)، لنقل الساحات الإيرانية والعراقية واللبنانية، وهذا ما يشير إلى أنها بمنطق القوة هي حاملة المركزية.
وقد أفردت إتاحة نقل صوت الجمهور المتفاعل مع الخطاب للساحات اللبنانيَّة، وتحديداً عقب إطلاق المواقف الخطابية التي حملت التهديد والتوعد.
وبالتفكر في ما لم يلحظه الخطاب، نجد أنه بالمنطق العقلانيّ في تحليل مسار حرب تموز، ومقارنتها مع حرب غزة، لجهة استشراف ستراتيجية تعاطي المحور “المقاومة والممانعة” مع مجريات الحروب التي تتعرض لها كل جبهة، كان الواقع قد أفضى إلى أن منطق التصدي ورد الفعل في كلا الحربين، قد اعتمد على قدرة صمود قوى الجبهة المشتعلة، وأن المحور لم يذهب حتى الآن لجهة إشعال الحرب بشكل تام على كل الجبهات، ولا حتى اشعال جبهة موازية بشكل تام للمساندة، رغم ما يقوم به من حرب إشغال على بعض الجبهات في الحرب الحاليّة على غزة.
وأنه حتى لم يقدم على إشعال جبهة غزة أو حرب إقليميَّة في ظل حرب تموز، مع أن خسارة حزب الله في لبنان كان ليكون من أهم خساراته لو حدث.
وبالتالي فعلى الحزب أن يهون على نفسه تكبد عناء الدفاع اللفظيّ المنفرد، تجاه توهين الآخرين لحجم مشاركته في هذه الحرب الدائرة.
وهذا ما كان يمكن أن يندرج في خطاب الحزب في منطق “حرب إقناع الرأيّ العام” التي يقودها، مقابل ما تقوده إسرائيل من حرب في هذا السياق والتي أتى الخطاب على ذكرها.
أخيراً، يبقى لهذا الخطاب أهميّة تاريخية، من حيث الفهم التاريخيّ للحدث الخطابيّ، فلأول مرة بعد غياب الزعيم والرئيس المصريّ جمال عبد الناصر، تنتظر الشعوب العربيّة قاطبة، وهذه المرة أمام شاشاة التلفزة وشبكات الإنترنت، زعيماً وموقفاً صادراً عنه إزاء حرب دائرة.
ولأول مرة أيضا، وبعد انقسام المواقف العربية تجاه الثورات، تجتمع الجماهير العربية بترقب حماسات الإجماع السابق على كاريزما نصرالله. و
لكن على قياس حجم الترقب لهذا الخطاب، يبقى السؤال الأهم: هل نجح الخطاب في إقناع الجماهير العربيّة؟