محمد علي
لن أتحدث بلغة الأرقام في محاولتي هنا مناقشة الواقع المحزن للمواطنين العراقيين ممن يفترشون الشوارع وممن يسكنون في بيوت الصفيح، لأنني أعدُّ انتهاك إنسانيَّة مواطنٍ عراقي واحدٍ مساوياً لانتهاك إنسانيَّة الأربعين مليون عراقي.
كما أنَّ دخولنا في عالم الأرقام، سيجعل النطيحة والمتردية يجادلوننا في تحسن الواقع المعيشي للمواطن العراقي بعد العام 2003. يجادل أمثال هؤلاء بالأرقام، ولا يفكرون بعقد مقارنات واقعيَّة بين معيشة المواطن الأوروبي أو الخليجي أو الشرق آسيوي ومعيشة المواطن العراقي عموماً والفقراء خصوصاً في العام 2023. ومن سوء توفيق هؤلاء، أنهم جعلوا معيار الرفاه العراقي هو «أيام الحصار» في تسعينيات القرن المنصرم، فما دام الطعام متوفراً، وما دامت الملابس متوفرة، وما دامت «الجكسارات» تتجول في الشوارع والمحلات السكنيَّة الضيقة بأهلها، فإنَّ الإنسان العراقي بحسبهم يعيش عيشة ولا عيشة الأمراء.
إنَّ تشرد مئات العراقيين في الشوارع، وعيش مئات الآلاف من العراقيين في بيوت الصفيح، مؤشرٌ على أمورٍ عديدة، أهمها: التوزيع غير العادل للثروة النفطيَّة، تفكك النظام الاجتماعي، تعقد متطلبات الحياة، تقصير مؤسسات الدولة المعنيَّة، عدم القدرة على خلق فرص العمل، الاستغلال بشتى أنواعه.
هنالك من يتخذ من هؤلاء الفقراء مادة دعائيَّة وانتخابيَّة وعسكريَّة، كلٌ حسب تخصصه ومصلحته، والخاسر الوحيد هو الإنسان العراقي وبالتالي العراق. وعندما نتحرى في نوايا المعنيين لتغيير واقع ملايين المعوزين والفقراء نحو الأفضل، نجدها نوايا غير صادقة بل أحياناً تكون نوايا خبيثة.
إنَّ المشردين والمعوزين العراقيين يشكلون بيئة خصبة لإنتاج القتلة المأجورين، وهم السلعة الأساسيَّة في مجال تجارة الأعضاء البشريَّة، وبنواعمهم تزدهر النوادي الليليَّة المشبوهة، ويستغل لحمهم الأبيض والأسمر في مجال الدعارة.
على المسؤولين في العراق؛ أنْ يعوا أنَّ حل مشكلة الفقر في العراق؛ لا يكمن في مجرد التوظيف ولا مجرد دعم أسعار المياه غير الصالحة للشرب والكهرباء الوطنيَّة، ولا في توزيع الحصة التموينيَّة الناقصة بين المستحقين، ولا في دعم قطاع الصحة شبه الغائب، ولا في دراهم مرتبات الرعاية الاجتماعيَّة، وإنما الحل يكمن في العدل والنزاهة والنيَّة الصادقة والعمل الجاد في إعمار البلاد والعباد من دون واسطة ولا تعصب لفئة دون أخرى ولا رشوة.
ولا بُدَّ من الإشارة إلى عمل المنتفعين من واقع الفقر في العراق؛ على التفرقة بين فقراء العراق بحسب الطائفة والمنطقة، إنهم لا ينظرون إلى الفقر كنتاجٍ لأنانيتهم وأكلهم السحت ولا مسؤولياتهم، وإنما ينظرون إليه وكأنه قدرٌ مكتوبٌ على البعض دون البعض، وبحسبهم فقد فضل الله البعض على البعض بالرزق.