إبراهيم الكوني شخصيَّة العام الثقافيَّة في معرض الشارقة الدولي للكتاب

ثقافة 2023/11/07
...

 الشارقة: فيء ناصر

يحتفي معرض الشارقة الدولي للكتاب بدورته الثانية والأربعين بالروائي الليبي إبراهيم الكوني، وقد توج بشخصية العام الثقافيَّة، تقديرًا لإسهاماته الكبيرة في تطوير وإثراء المشهد الثقافي والأدبي العربي والعالمي، وجهوده في ترسيخ صوت الأديب العربي في العالم. ترجمت أعماله إلى أكثر من 40 لغة، وتدرس مؤلفاته في مناهج جامعات أوروبيّة وأمريكيّة ويابانيّة، مثل جامعة السوربون، وجامعة طوكيو، وجامعة جورج تاون، وتعتمد كتبه كمادة مرجعيّة للدراسات البحثيَّة لنيل الدرجات العلميَّة.
لا يقتصر إبداع الكوني على الرواية فهو يكتب الدراسات الأدبية والنقدية واللغوية والتاريخ والسياسة.
اختارته مجلة لير الفرنسية أحدَ أبرز خمسين روائياً عالمياً معاصراً، وأشادت به الأوساط الثقافية والنقدية والأكاديمية والرسمية في أوروبا وأمريكا واليابان، ورُشح لجائزة نوبل مرارًا، ووضعت سويسرا اسمه في كتاب يُخلّد أبرز الشخصيات التي تقيم على أراضيها، وهو الكاتب الوحيد من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا بل الوحيد أيضًا من العالم الثالث في هذا الكتاب. أصطحبه الرئيس السويسري معه عام 1998 في احد أبرز المحطات الثقافية، حيث أُختير كأول أجنبي عضو شرف في وفد رأسه الرئيس السويسري نفسه، عندما كانت سويسرا ضيف شرف في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في يوبيل المعرض الخمسين. له 81 كتابا، ويتقن الكوني 8 لغات هي العربية والطارقية والانكليزية والروسية والبولندية والألمانية والاسبانية واللاتينية.لا يكف الكوني عن طرح الأسئلة الصعبة لذلك هو يصرّح في ندوة له عقدت في معرض الشارقة الدولي للكتاب بدورته الثانية والأربعين: “نحن لسنا جوابًا، بل جميعنا سؤال، وما دمنا سؤالًا نحن نحيا، لا نحيا فقط وإنما نفكر، بمعنى أن الفكر هو صياغة أخرى للوجود. ومهمة الإنسان لا تكمن في تحقيق الحلم البعيد، بل يكفيه فقط محاولة الوصول الجسورة، وإثارة الأسئلة التي تتعلق بكلِّ شيء في هذا الوجود، والتعلّق يكشف الأستار أو الأسرار لا فرق بينهما. ويقينًا أن العلم والمعرفة لا يأتيان بسهولة، بل يتطلبان من الإنسان جهدًا وعملًا واجتهادًا”.
ويضيف الكوني أن الوطن هو قيمة روحية تتجاوز المكان والزمان، وأن الهجرة تمثل تجربة إنسانيّة عظيمة اختار الله سبحانه وتعالى لها صفوة خلقه من رسل وأنبياء وتعلموا دروس الحكمة من البيئة الصحراويَّة، التي وصفها بأنّها مدرسة الحكمة والإبداع. وبيَّنَ الكوني أنَّ أعظم مثال على المهاجر هو الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي هاجر مرتين: إلى المدينة المنورة، وإلى غار حراء، حيث تأمل في خلق الله وتلقى الوحي، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان مهاجرًا لأنّه كان نبيًّا، وكذلك كان كل الأنبياء من بيئات صعبة وصحارى قاسية، فالصحراء هي مدرسة الحكمة والإبداع، ولهذا السبب، فإن التاريخ الإسلامي اختار أن يبدأ من تاريخ الهجرة؛ لأن الهجرة هي التي أوجدت الأمة.
ولفت الكوني في حديثه إلى قيمة العلم والمعرفة في حياة الإنسان، مؤكدًا أنَّ العلم والحكمة رهينان للألم، وقال: “إذا أردت أن تتعلّم فتألّم، لأنّ العلم رديف للألم شكلًا ومضمونًا، حتى أن الهمزة في كلمة (ألم) هي في الحقيقة العين في كلمة (علم) لأن الهمزة باللغة العربية ليست إلا عيناً صغيرة”.

الهويات المتعددة هي ثراء حقيقي
وأوضح الكوني أنه ينتمي إلى هويات متعددة وان تعدد الهويات هو ثراء، لكنه يعتنق دين الهوية الاولى وهي الهوية الإلهيَّة، فنحن كما يصرح: “مسكونون بالله ونحيا بأنفاس الله، لذلك تتغنى الأوبانيشاد الهندوسية وهي أقدم ديانة في العالم بالأنفاس (أنفاس الخالق) لأنها سر الخالق فينا والطبيعة من حولنا هي فردوس أنفاس الريح، والريح هي الروح، لذا علينا أن نحتفي بدين الله فينا روحًا وطريقًا. وهناك ايضا الهوية اللغوية وهي الهوية الثانية، فأنا أنتمي إلى اللغة العربية وكل اللغات الأخرى التي أقرأ بها، والتي أحيا فيها وتحيا من خلالي، ثم هناك هوية الطبيعة فنحن مسكونون بالطبيعة ومن طينتها، وكينونتنا تنتمي اليها، وهناك ايضا الهوية الوطنية فنحن مخلوقات وطنية بالفطرة ونشعر بالانتماء لمكان ما، نريد أن يحيا فينا لا خارجنا وهذا ما نسميه وطنا، وايضا هناك الهوية الميثولوجية بمعنى أننا كبشر ألغاز حيّة ومن ثمّ فنحن سؤال، نحتاج اسطورة أو غيبيات كي تحاول الاجابة عن سؤالنا الوجودي. ثم هناك هويات أخرى مثل الهوية المدينية أو الصحراوية أو الانتماء العرقي وغيرها من الهويات.
أن تتعدد الهويات أمر إيجابي في الإنسان يدل على الثراء والتنوع، ولكن الخطير في الأمر هو التعصب لهوية معينة، إذا لم نعتنق هوياتنا المتعددة كواقع روحي بالدرجة الاولى فسوف نفقد رصيدنا مما نسميه خزنة الهوية، أما حين نتعصب لواحدة منها فإننا نفقد هذه الميزة التي تجعلنا أوفياء لكل ما يسهم في تشكيلنا”.

الوطن قيمة روحيَّة
وتحدّث الكوني عن الوطن والهجرة، مبيّنًا أن الوطن هو مفهوم عميق، فهو روح تسكن الإنسان وتتشكل من خلاله هويته وثقافته، لذلك، فإن الوطن يبقى وطنًا في أنفسنا، وإن ابتعدنا عنه بأجسادنا، فهو يظل حاضرًا في قلوبنا وأفكارنا، مؤكدًا أنّ الوطن ليس مجرد مكان محدد في الزمان والمكان، بل هو قيمة روحيّة تتجاوز هذه الحدود، وقال: “إذا لم نشعر بالوطن في داخلنا، ولم نحمل شغفه وحنينه فينا، فإننا نصبح أسرى للوطن، نعيش فيه من دون أن نفهم معناه أو نقدر رسالته، من هنا فإن الوطن يحتاج إلى من يحلم به ويسعى إلى تحقيق رؤيته”. وأضاف الكوني: “لأنَّ الوطن قيمة روحيَّة، فإنه يتطلب منا التضحية والصبر والتجديد؛ فقد نضطر إلى مغادرة الوطن جسديًّا، لكن ليس روحيًّا؛ فالمهاجرون هم أولئك الذين يفهمون قيمة الوطن، ويعبرون عنه بصدق وإخلاص، فهم يحملون الوطن في قلوبهم، ويبثونه في أماكن جديدة”.

الصحراء مدرسة الحكمة والإبداع
عاش ابراهيم الكوني عشر سنوات في بداية حياته في الصحراء ويروي أنّه تاه فيها يوم ونصف يوم لكن رحلة التيه القصيرة تلك كانت الإلهام الأول للخوض في عوالم الصحراء غير المتناهية، فلا شيء يعلو على رسالة الصحراء لديه؛ فهي شفرة الروح في هذا الوجود، اذ تشحنه بالحياة والافكار والأساطير، وهي نبع بكر للقصص وكأنّها قدره على حد تعبيره، ويرى أن انحدار الأمة العربية نتيجة تنكرها لقيّم الصحراء التي تُعد بمثابة مخزون للكنوز الروحيّة.
وهي ليست عدما ولا خواء، وليس يجدر بالعربي الذي هو ابن الصحراء أن يتغرّب عنها.  للكوني سيرة ذاتية بعنوان (عدوس السرى؛ روح أمم بنزيف الذاكرة) بأربعة أجزاء صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بين عامي 2012- 2016 وفيها يروي بشفافية عالية تفاصيل حياته الأولى في الصحراء وتنقله بين البلاد واستقراره الأخير في سويسرا.