رائد مهدي صالح
يوفر الوصول إلى الإنترنت ثروة من المعلومات لأي مستخدم، ولكنه في الوقت ذاته يجعله عرضة لما يسمى "بالتحرش الإلكتروني" خاصة عندما لا تُستخدم تطبيقات المراسلة ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها بشكل مسؤول.
التحرش عبر الإنترنت هو نوعٌ من سلوكيات الاعتداء الذي يستهدف الأفراد في وسائل الاتصال الرقميَّة ومنصات التواصل الاجتماعي، ويمكن لأي مستخدمٍ أنْ يكون عرضة لأذى التحرش الالكتروني، ما تؤثر في شعوره بالأمان واحترام الذات.
ومن الفئات التي تتعرض يومياً وبشكلٍ كبيرٍ لمثل هذه التحرشات هم الأطفال والمراهقون.
إذ يقوم الأطفال والمراهقون بشكلٍ منتظمٍ (وعادة ما يكون مستمراً لساعات طوال) بالوصول إلى محتويات متنوعة عبر الإنترنت لأغراض التعليم عبر الانترنت أو التعلم الذاتي.
في حين أنَّ الجزء الاكبر من الوصول للإنترنت من قبل الأطفال هي لأغراض الترفيه واللعب عبر منصات متعددة.
في الوقت الحاضر، هناك العديد من السبل التي يمكن للمستخدمين من ذوي النوايا الخبيثة والمتحرشين استغلالها للتواصل مع الأطفال والمراهقين في بيئة افتراضيَّة مفتوحة، وبالتالي تعرضهم لمخاطر التحرش الالكتروني. هناك أشكالٌ عديدة من التحرش الإلكتروني الشائعة عبر الإنترنت ضد المستخدمين بشكلٍ عامٍ والأطفال والمراهقين بشكلٍ خاصٍ منها: الاستدراج (Grooming)، والتعقب (Stalking، والتنمر والمضايقة (Bullying and Trolling) .
1 - الاستدراج (Grooming) هو بناء ثقة مع طفل أو مراهق عبر الانترنت بنيَّة الاعتداء الجنسي. ويشمل هذا إقناع الأطفال بمشاركة معلومات شخصيَّة أو صورٍ جنسيَّة على الإنترنت. واحد من الأمثلة المشهورة للاستدراج هي لمتحرشٍ معروفٍ باسم الكسندرا مان (Alexandra Man) وهو رجلٌ بالغٌ انتحل صفة فتاة مراهقة، وقام بالتواصل مع مراهقات عدة عبر غرف المحادثة في منصات اجتماعيَّة للأطفال والمراهقين عبر الانترنت.
حيث قام الكسندرا بالتأثير في ضحاياه ونقل عمليَّة التواصل عبر شبكات أخرى للبالغين، ومن ثم نجح في إقناعهنَّ للعمل معه عبر منصات غير مرخصة يتمُّ خلالها تبادل محتويات وصور إباحيَّة عن ضحاياه، وكذلك تضمن نشاطه أيضاً ابتزاز ضحاياه غاية في الاعتداء الجنسي.
2 – التعقب (Cyberstalking) أو (Stalking) يتضمن هذا تكرار الأفعال من قبل المتحرش باستخدام حسابات وهميَّة عبر شبكات التواصل الاجتماعي. يمكن أنْ يتسبب التعقب في إحداث وتطوير مخاوف كبيرة للضحايا.
أغلب سلطات الشرطة المجتمعيَّة تعدُّ التعقب جريمة في العديد من الدول ويُعامل بجديَّة بسبب الأذى المحتمل الذي يمكن أنْ يسببه للضحيَّة. قد تختلف القوانين وتعريفات التعقب من مكانٍ إلى آخر، ولكنها عمومًا تُعدُّ سلوكًا ضاراً ومُعتدياً ينتهك مساحة الشخصيَّة وسلامة الفرد.
كمثال: اتهم أحد عناصر الشرطة في ولاية تكساس بالتعقب الالكتروني لفتاة عمرها 12 عاماً من ولاية ماساتشوستس لسنواتٍ عديدة تعرف عليها خلال لعبة عبر الانترنت. وكذلك قد اعتمد إرهاب "داعش" هذا النوع من التحرش ضد النشطاء الذين تحدثوا علنًا ضده أو ضد أيديولوجيته.
3 - التنمر والمضايقة (Bullying and Trolling) يمكن للأطفال والمراهقين أنْ يعانوا من التنمر الإلكتروني، وظاهرة المضايقة أو الاستفزاز عبر الإنترنت، وهي أعمالٌ يتمُّ تنفيذها باستخدام منصات التواصل الاجتماعي. وكنتيجة للتنمر والمضايقة يعاني الأطفال والمراهقون على حياتهم وأجسادهم وصحتهم وحريتهم، فضلاً عن الإجهاد والقلق.
التنمر الإلكتروني ينفذ عن طريق إرسال رسائل مسيئة أو خبيثة عبر البريد الإلكتروني أو غرف المحادثة أو منصات اجتماعيَّة مماثلة بنيَّة إلحاق ضرر بطفلٍ أو مراهقٍ معينٍ أو مجموعة محددة من الأطفال والمراهقين. مثالٌ على التنمر الإلكتروني هو حالة فتاة عانت من الاكتئاب بسبب جارتها التي انتحلت شخصيَّة رجل على حساب (MySpace) لتستفزها بالحديث عن شائعات تتعلق بها.
أما المضايقة عبر الإنترنت، فتشمل نشر رسائل مثيرة أو تافهة لا علاقة لها بالموضوع في المجتمع أو مجموعة مجتمعيَّة عبر الإنترنت، بهدف استفزاز ردود فعل عاطفيَّة من قراءتها.
من ناحية أخرى وكمثالٍ على ظاهرة المضايقة عبر الإنترنت قام رجلٌ بنشر صورٍ ومقاطع فيديو مسيئة عن أطفال متوفين. حيث سخر من وفياتهم ما أثار غضب القراء من خلال نشر الشتائم والانتقادات عنهم.
في مجتمعاتنا العربيَّة المحافظة، عادة ما يتردد ضحايا هذه التحرشات من الإفصاح عنها لأسبابٍ عديدة، منها الخوف من الاعتبارات الاجتماعيَّة والعشائريَّة أو الانتقام والتشهير، ما يساعد في إعادة تكرارها من قبل المتحرشين.
تشير بعض الأبحاث الاجتماعيَّة الى أنَّ ما يقارب 50 بالمئة من النساء العربيات اليافعات يتعرضن لأنواعٍ عدة من التحرش الالكتروني.
عادة ما يمارس المتحرش السلوك عينه ويكرر ذات الطريقة مع كل ضحيَّة، لهذا الإبلاغ عنهم يكون الخطوة الأولى في تحديدهم وعلى أقل تقديرٍ في ردعهم عن أي تحرشٍ مستقبلي.
وتبين دراسات عدة أنَّ عدم التبليغ عن التحرش يترك أثراً نفسياً عميقاً لدى الضحايا، هذه الآثار تنطوي على الشعور الدائم بالخوف، والعجز، والضعف، والاكتتاب، وفقدان الثقة بالآخرين بما فيهم الأصدقاء والأقارب وبعض أفراد العائلة.
وهذه رسالة مهمة للآباء والأمهات ممن تعرض أطفالهم واليافعون منهم إلى تحرش، أنْ يكونوا على قدر المسؤوليَّة في الإبلاغ عن أيَّة ظاهرة تحرش تقع على أطفالهم أو على أصدقائهم، هذا التبليغ لا يشمل فقط الشرطة المجتمعيَّة، ولكنْ يمتد الى المعلمين والمدرسين من ضمن مؤسساتنا التعليميَّة.
يمكنك أنْ تبلغ عن أي تحرش جنسي أو جسدي تجاه الأطفال والمراهقين عبر الاتصال على الرقم (139). يمكنك حماية نفسك وأطفالك من التحرش الالكتروني عبر الإنترنت من خلال الثقة المتبادلة والوضوح بينك وبين أطفالك ازاء استخدام الأجهزة الالكترونيَّة، بما فيها الحاسوب أو أجهزة الهواتف النقالة.
ثقف أطفالك بهذا الاتجاه وارفع وعيهم وحسهم ازاء هكذا تحرشات. شجع أطفالك للحديث معك بخصوص أي تحرش، أو الحديث مع شخصٍ يشعرون بالأمان عند التواصل معه.
في حالة تحديد حالة تحرش قُم بجمع المعلومات الخاصة بالمتحرش، ووثق أي مكالمات من أرقام أو حسابات وهميَّة تستخدم للتعقب أو للمضايقات قدر الإمكان، وكذلك قم بتصوير المحادثات والرسائل والمواد التي يتمُّ التهديد بها، ربما تحتاج هذه المعلومات في حالة الإبلاغ عن المتحرش.
التحرش عبر الإنترنت يكون ضاراً للضحايا من الناحيتين النفسيَّة والاجتماعيَّة.
وهذه دعوة لنشر وتعزيز الوعي حول التحرش الالكتروني وتطوير تدابير مكافحته والحد منه.