عنصريَّة الحركة الصهيونيَّة ومخططاتها الدعائيَّة

آراء 2023/11/08
...







 أ.د عامر حسن فياض

اليهوديَّة ديانة سماويَّة واحديَّة تخصُّ مجموعات اجتماعيَّة مشتتة على المعمورة عبر التاريخ لتصبح مندمجة في مجتمعات مختلف بلدان العالم شرقاً وغرباً. كما آمنت بهذه الديانة مجموعات بشريَّة مستقرة في أقاليمها وصلت إليها عقائد تلك الديانة بطريقة أو بأخرى، مثل يهود بلاد الخزر المستقرين في أواسط آسيا في الأقاليم المجاورة لبحر قزوين، ويهود الفلاشا في أفريقيا ممن لا تربط بينهم سوى رابطة الإيمان بهذه العقيدة الدينيَّة.

أما على المستوى السياسي فقد برزت الظاهرة الصهيونيَّة ثم الحركة الصهيونيَّة ثم الكيان الصهيوني لتجسد جميعاً تجربة عنصريَّة توسعيَّة في العصر الحديث والحقبة المعاصرة.

إنَّ إحدى البديهيات التي يجب أنْ تكون واضحة هنا تتمثلُ بضرورة التمييز بين اليهوديَّة كديانة سماويَّة، وبين الصهيونيَّة كحركة سياسيَّة، الأمر الذي ينتهي الى التأكيد على حقيقة تفيد بأنَّ الإنسان يمكن أنْ يكون يهودياً من دون أنْ يكون صهيونياً والعكس صحيح، بدلالة وجود صهاينة مسيحيين ووجود مسلمين صهاينة! وأيضاً فإنَّ أحد المنطلقات التي يجب أنْ تكون واضحة من حيث أصولها العامَّة ودلالاتها الوظيفيَّة هي ضرورة التمييز غير القاطع بين أبعاد ثلاثة للظاهرة الصهيونيَّة هي أن:

- الصهيونيَّة مذهبٌ سياسي يحمل تصوراً منحازاً وتحبيذياً، يوظف مزاعم وحججاً لمصلحة جهة على حساب الجميع.

- الصهيونيَّة حركة سياسيَّة تهدف الى تحقيق الهجرة ثم الاستيطان فالاعتراف ثم بناء الكيان السياسي 

«القومي».

- الصهيونيَّة كيانٌ سياسيٌّ يشكل قوة دوليَّة ضاغطة تمثل أحد مصادر التأثير الخفي في مسالك ودهاليز الوجود الدولي والسياسة الدوليَّة.

إنَّ الحركة الصهيونيَّة تمركزت في البداية حول المنظمة الصهيونيَّة العالميَّة. ففي المؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقِدَ عام 1897م في مدينة (بال) بسويسرا، نجد الإعلان بأنَّ ((هدف الصهيونيَّة هو إنشاء وطنٍ للشعب اليهودي في الأراضي الإسرائيليَّة يحميه القانون العام)).

وفي المؤتمر الصهيوني الثالث والعشرين الذي عُقِدَ في القدس بفلسطين، وهو أول مؤتمرٍ صهيوني أعقبَ إنشاء دولة إسرائيل نستمعُ الى عبارات تؤكد أهداف الحركة الصهيونيَّة على أساس أنَّ ((وظيفة الصهيونيَّة هي مساندة وتقوية دولة إسرائيل وتجميع اليهود الذين يعيشون في المنفى بأرض إسرائيل، وتحقيق وحدة الشعب اليهودي)).

والحركة الصهيونيَّة بهذا المعنى، حركة لها ثوابت اقترنت بأهدافٍ تكتيكيَّة مرحليَّة تغيرت وتنوعت تبعاً لخصائص الموقف من منطلق الإبقاء على الثوابت من جهة وتوسيع دائرة مطامعها من جهة

 أخرى.

ففي المرحلة الأولى، كان محور الحركة الصهيونيَّة يتمثلُ بالمنظمة الصهيونيَّة العالميَّة التي أعلنت أنَّ هدفها هو إقناع يهود العالم بالعودة للعيش فوق ما أسمته بـــ»أرض الآباء والأجداد».

وفي المرحلة الثانية، وبعد تحقيق هجرة قسمٍ من يهود العالم الى أرض فلسطين أصبح الهدف المُعلن هو السعي لإقامة الدولة الصهيونيَّة لليهود وتدعيمها والدفاع عن وجودها بمزيدٍ من الهجرة وبقوة السلاح وبالدبلوماسيَّة 

والتفاوض. وفي المرحلة الثالثة، أصبح الهدف الجديد هو إقامة إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات وإقناع أطراف المحيطَين الدولي والإقليمي أو إجبارهما على القبول بهذه الدولة والاعتراف بها والتعامل معها بشكلٍ طبيعي وتطبيعي.

وباختصار، إنَّ الصهيونيَّة بوصفها مذهباً أو حركة سياسيَّة عنصريَّة توسعيَّة تهدفُ الى تحقيق هجرة يهود العالم الى فلسطين، وإقامة وطنٍ قومي لليهود ينتهي ببناء دولة قوميَّة وباعترافٍ دولي وإقليمي بهذا 

البناء.  وأساسُ كلّ ذلك إقناع مجموعة دينيَّة يهيوديَّة منتمية الى قوميات مختلفة بأنهم من خلال العقيدة التي تجمعهم يشكلون أمَّة، على ما بينهم من اختلافات لا سبيل الى إنكارها في كلّ خصائص ومقومات البناء القومي. أما الوسائل التي اتبعت لتحقيق هذا البناء القومي فهي مزدوجة تتراوح، حسب الظروف، بين اسلوب القوة والترهيب والعنف والعدوان، وأسلوب اللين والترغيب والمفاوضة.

وفي الحالتين تمَّ تسخير المال والبشر والتقنيَّة لصياغة وتنفيذ مخططٍ دعائي صهيوني. هذا المخطط عرف ثلاث محطات مهمة هي:

• المحطة الأولى: وهي التي سبقت نشوء الكيان الصهيوني. 

وكان من الطبيعي أنْ تتمحور الدعاية الصهيونيَّة حول فكرة حق الوجود والتكامل السياسي للمجتمع اليهودي. 

وكانت الدعاية في هذه الفترة تتسمُ بكونها دفاعيَّة من جانب وترتبط بالدعوة من جانبٍ آخر. أي كان خطاب الدعاية الصهيونيَّة يهدفُ الى تعميق الولاء العاطفي والعقيدي بين اليهود أنفسهم تجاه «أرض الميعاد» فلسطين. 

وفي هذا الصدد يرى (حامد ربيع) في كتابه الذي يحمل عنوان «الحرب النفسيَّة في المنطقة العربيَّة «قائلاً إنَّ هناك فرقاً واضحاً بين الدعوة الصهيونيَّة قبل إنشاء الدولة الإسرائيليَّة والدعوة الصهيونيَّة عقب هزيمة يونيو عام 1967، ولعله يكفي لتأكيد هذا الفارق أنْ نتذكر أنَّ الدولة العبريَّة خلال المرحلة الأولى لم يكن لها بعد وجودٌ هيكلي. أما المرحلة الأخرى فهي تتحرك كمقدمة وكرأس حربة للصهيونيَّة العالميَّة».

• المحطة الثانية: وهي فترة التأسيس والبناء التي امتدت منذ العام 1947م حتى العام 1973م . وقد عرفت هذه الفترة تغيرات لها أهميتها في الخطاب الدعائي الصهيوني. ففي هذه الفترة حاول الكيان الصهيوني تثبيت دعائمه وطرح نفسه على أنَّه كيانٌ مسالمٌ وحاول كسب المعسكر الاشتراكي، إلا أنَّه استطاع أنْ يصنع معالم دعايته وأسسها وطرح شعارات سياسيَّة لها أهميتها خصوصاً بعد حربي 1956م و1967م ، منها «إسرائيل الكبرى» و»إسرائيل وجدت لتبقى» و»إنها دولة لا تقهر».. الخ، وهنا انتقلت الدعاية الصهيونيَّة لتسويغ وجودها في المنطقة الى تثبيت هذا الوجود وجعله شرعياً، كذلك استغلت الدعاية الصهيونيَّة الانتصارات العسكريَّة بتشويه الصورة الفلسطينيَّة العربيَّة وجعلها مهزوزة أمام الرأي العام العالمي.