عبد الحليم الرهيمي
بعد مرورِ نحو شهرٍ على عمليَّة (طوفان الأقصى) والردّ الإسرائيلي الوحشي عليها في اليوم التالي وحتى الآن بحربٍ مدمرة وقاسية على قطاع غزة وأهله العزل، حدثت تطورات سياسيَّة وأخرى عسكريَّة ميدانيَّة مهمَّة ببدء الجيش الإسرائيلي باجتياحٍ تدريجي لها من دون تقدمٍ مهمٍ وظهور معوقات شديدة وكبيرة لتحقيق هذا الاجتياح لأهدافه بسبب المقاومة الشديدة للمقاتلين المدافعين عن غزة وكذلك بسبب وعورة التقدم فوق وعبر الأنفاق المحصنة تحت الأرض.
كان أول التطورات السياسيَّة التي برزت بشكلٍ مبكرٍ هو الموقف السلبي للإدارة الأميركيَّة من العنصري اليميني المتطرف رئيس الحكومة الإسرائيليَّة نتنياهو وذلك بنشر صحيفة (بوليتكو) الأميركيَّة تقريراً جاء فيه أنَّ الرئيس بايدن قال لمستشاريه إنَّ أيام بقاء نتنياهو برئاسة الحكومة الإسرائيليَّة معدودة، وهو الأمر الذي فُسّرَ بأنَّ واشنطن ستسعى لإطاحته واستبداله بحكومة (أقل تطرفاً) وهو الأمر الذي تتطلبه المفاوضات والبحث عن الحلول السياسيَّة بعد وقف الحرب وإطلاق النار، كما يعتقد.
أما التطور السياسي الثاني فهو بدء إدارة بايدن والدول الأوروبيَّة المتحالفة معها فضلاً عن بعض الدول العربيَّة المطالبة بوقف إطلاق النار مؤقتاً لهدنة إنسانيَّة، وهي مطالبة قد تؤول الى الاتفاق على وقفٍ شاملٍ لإطلاق النار رغم معارضة إسرائيل، إذا ما بدت مؤشرات للبدء بمفاوضات، فوق وتحت الطاولة، للبحث في الحل السلمي للقضيَّة الفلسطينيَّة على أساس حل الدولتين وهو الأمر الذي أظهرت ملامحه جولة وزير الخارجيَّة الأميركيَّة طوني بلينكن الأخيرة واجتماعه الى وزراء خارجيَّة سبع دول عربيَّة في العاصمة الأردنيَّة وكذلك زيارة إسرائيل، فضلاً عن زيارة العراق لمعرفة التصورات والأفكار العمليَّة لهذه الجهات بكيفيَّة التوصل لوقف النار ومنطلقات ومحاور الحوار والتفاوض المتوقع حول التسوية والحلول السلميَّة العادلة للقضيَّة الفلسطينيَّة وقد كان لافتاً اجتماع بلينكن الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) الذي أعلن بعد هذا الاجتماع، أنَّه لا عودة للسلطة الفلسطينيَّة الى غزة إلا بعد الاتفاق على حلٍ شامل.
وتمثل التطور السياسي الثالث بدعوة رئيس المكتب السياسي لـ(حماس) من محل إقامته في قطر أنَّه يتقدم (بمشروعٍ متكاملٍ للحل يتمثل بفتح المسار السياسي لقيام دولة فلسطينيَّة عاصمتها القدس وحق تقرير المصير) وهو الأمر الذي يلتقي مع الداعين لإقامة دولة فلسطينيَّة مستقلة، لكنْ برؤى ومفاهيم مختلفة، ربما، معهم.
أما التطور السياسي الرابع والاكثر أهميَّة فهو إعلان أمين عام حزب الله في لبنان بكلمة له يوم الجمعة الماضي حيث انتظرها كثيرون في المنطقة وخارجها (وقد وصف المحللون هذا الانتظار بـ (حبس الأنفاس) وذلك بقوله (نحن لن ندخل ولن نوسع الحرب (في غزة) بل إنَّنا بدأنا بعد يومٍ من عمليَّة 7 اكتوبر، ولكنْ تبقى جميع الخيارات مفتوحة
أمامنا).
وإذْ بدد هذا القول حالة الاحتقان والخشية التي كانت لدى اللبنانيين، أابدت الولايات المتحدة رأيها ببيان لوزارة الدفاع و(البنتاغون) بالقول (إنَّ هذا الخطاب يعني تجنب حربٍ شاملة إقليميَّة).
هذه التطورات السياسيَّة والعسكريَّة الميدانيَّة تنطوي على دلالات مهمَّة بتوفر احتمالات وقف إطلاق النار والحرب وفتح النوافذ أمام مفاوضات بين جميع الأطراف المعنيَّة لإيجاد التسوية العادلة وإقامة الدولة الفلسطينيَّة المستقلة وذلك بعد الوقف للقصف الإجرامي الإسرائيلي للمدنيين في غزة وللمدارس والمستشفيات والبنى التحتيَّة لقطاع غزة.
إنَّ مواجهة الشعب الفلسطيني ومقاتليه للآله العسكريَّة الإسرائيليَّة الإجراميَّة أرغم القيادة السياسيَّة الإسرائيليَّة ونتنياهو الى التراجع عن الكثير من مواقفهم العنجهيَّة المتغطرسة، كذلك فإنَّ هذا الصمود لأبناء غزة بمواجهة العدوان فضلاً عن الدعم العربي والدولي دفع إدارة بايدن وحلفاءها الأوروبيين للتراجع ولو قليلاً عن السقوف العالية لأهدافهم في دعم إسرائيل ومساندتها في تحقيق (نصر عسكري) على قطاع غزة، سيمهد الطريق لسعي الجميع لوقف إطلاق النار التام، وإنْ بدأ بهدنة إنسانيَّة، ثم البدء مباشرة بمفاوضات جادة بين جميع الفرقاء المعنيين وفي مقدمتهم الجانب الفلسطيني الذي يمثله الآن الرئيس محمود عباس الذي التقاه وزير الخارجيَّة الأميركي طوني بلينكن في رام الله حيث أكد له الرئيس الفلسطيني أنَّ مصير غزة بعد الحرب يتحقق بعودة السلطة الفلسطينيَّة إليها بعد الحل الشامل والتي كانت تحت حكم منظمة التحرير، حتى أعلنت حماس سيطرتها عليها بدعمٍ إسرائيلي وتمويلٍ من دولة قطر كما هو معروفٌ بهدف محاربة منظمة التحرير الفلسطينيَّة والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وإضعافه خلال أيَّة مفاوضات محتملة معه.