مؤتمر السلام بلا نداءٍ للسلام

آراء 2023/11/08
...

 أحمد الشطري


عُقِدَ في مصر مؤتمرٌ حمل عنوان (مؤتمر السلام) حضرته العديد من الدول الغربيَّة، فضلاً عن العربيَّة، وألقيت فيه كلمات عبرت عن وجهات نظر المؤتمرين، وقد جاءت أغلب كلمات المشاركين محابية لدولة الاحتلال حملة إدانة لما قام به مقاتلو حماس من هجمات ضد الإسرائيليين ومشرعنة لغطرسة وإرهاب وعنجهيَّة وجرائم الجيش الإسرائيلي، وخاصة دول أوروبا وأميركا بل إنَّ تلك الدول أعطت للصهيونيَّة ما أسمته حق الدفاع عن النفس، تدليساً وتشويهاً للحقائق وتغطية للجرائم المروعة التي يرتكبها ذلك الكيان الغاصب.

لقد كان (مؤتمر السلام) مؤتمراً لتزييف الواقع وتكريساً لقوة الاحتلال وشرعنة لتصرفاته الهمجيَّة أكثر مما هو للدعوة للسلام وحماية المدنيين العزل كما هو منتظر، أو كما أريد له من قبل الدولة المنظمة (مصر) كما هو مفترض، ومع تغول الدول الصهيوأميركيَّة وتخاذل وانبطاحيَّة الدول العربيَّة تبخرت كل الآمال بردع العدوان الصهيوني ووقف مجازره بحق شعب غزة خاصة والشعب الفلسطيني بصورة أعم ففشل ذلك المؤتمر في الاتفاق على إصدار بيان ولو شكليّ يدعو للسلام ولوقف العدوان.

وبرغم ما انطوى عليه المؤتمر من صورة سلبيَّة إلاّ أنّ كلمة السيد رئيس وزراء العراق التي كانت واضحة وصريحة ومسميَّة الوقائع بأسمائها وحقائقها والتي عبرت بقوة ليس عن موقف العراقيين الثابت فحسب، بل وكل الغيارى من العرب، الذين عبروا عن تأييدهم وإكبارهم لما جاء فيها.

ولعلَّ أفضل ما تمخض عنه المؤتمر هو رفض مصر المعلن للسماح بتهجير أهل غزة لأرض سيناء الذي كانت مطلب حكومة الكيان الصهيوني وحواضنها، وفتح معبر رفح لعبور بعض المساعدات الإنسانيَّة وهو أمرٌ على إيجابيته إلاّ أنّه لا يعكس ما كان معقوداً من آمالٍ على المؤتمر الذي حُشد له العديد من الدول.

ويبدو أنَّ اشتراك بعض الدول الغربيَّة إلى جانب أميركا كان الغاية منه إفشال المؤتمر وعدم خروجه بأي بيانٍ يصب في صالح الفلسطينيين ومراقبة أسلوب إدارته ومقررات أعماله. وهذا الموقف اللاإنساني ليس بمستبعدٍ منهم ولا بالغريب فقد شهدت الأيام الماضية استخدام أميركا حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع مشروع قرار يدعو إلى هدنة إنسانيَّة للسماح بدخول المساعدات لسكان غزة.

لقد كشفت الوقائع في الأيام السابقة الوجه القبيح للصهيونيَّة وحواضنها من الدول الغربيَّة وأميركا وأذنابهم، وأبانت مدى كذب وزيف ادعاءاتهم بحرصهم على الجوانب الإنسانيَّة ودفاعهم عن حقوق الإنسان، وازدواجيَّة مواقفهم مقارنة باندفاعهم ودفاعهم المستميت عمَّا يعانيه الشعب الأوكراني في حربها مع روسيا مع أنَّ المقارنة بين الحالتين أبعد من الثريا عن الثرى.

ومثلما تكشفت حقيقة تلك الوجوه القبيحة أمام الكثير من المخدوعين بها، فقد أبانت أيضاً عن مواقف تثلج الصدور سواء من بعض الدول أو من أفرادٍ عبروا بكل شجاعة عن مواقفهم الإنسانيَّة إزاء ما يحدث في غزة. كموقف مندوبة كوبا وموقف جماهير أساسونا في مباراتهم في الدوري الإسباني، والكثير من الموقف الفرديَّة التي شهدتها المواقع الاجتماعيَّة والسوشيال ميديا. 

إذا كانت السياسة تسهمُ في ضمور المشاعر الإنسانيَّة وإضفاء صبغة التلون عليها تبعاً للمصالح مما جعلها تقف موقف المتفرج أو المبرر لما يجري على أرض فلسطين فإنَّ الشعور الإنساني السليم لا يمكن أنْ يتقبل ما يحدث وهو يشاهد بشاعة تلك الجرائم ووحشيتها بحق الشعب الفلسطيني في غزة وغيرها.