«ترنيمة الحصى» .. اختلاجات الأثر

ثقافة 2019/05/12
...

  زهير الجبوري 
 
في معرضه الشخصي السابع يطرح الفنان التشكيلي د.محمود عجمي تجربة فنية متفردة ، فبعد سنوات طويلة ومعارض شخصية وجماعية طرح من خلالها موضوعة الأثر المثيولوجي وتمثلاته الحاضرة في عالمنا المعاصر .
 هو الآن يكشف عن الموضوعة ذاتها من خلال بعض الثيمات المهملة (الحصى ، والاحجار) لتتحول الى جانب فني له انتباهته الجمالية ، ربما تحيلنا الى قراءة كسر النسق وابراز تمظهرات ما بعد الحداثة ، ولعلنا شاهدنا ذلك وتمعنا في الثيمات المستخدمة بوصفها ثيمات لها قيمة ، وهذه التقانات اعتمدت على مهارة الفنان في خلق دقائق فنية بعيدا عن القياسات والقوالب النحتية التي تستخدم عادة بضوابط محسوبة وغير قابلة للانحراف ، بالعكس من ذلك تشظيات الاشكال التي خلقت من الطبيعة واعني الحصى وحجر الجلمود ، مع فراسة الفنان في اختياره وتشخيصه ، اعطى لنا اشكالاً غاية في الروعة ، إذ اضيفت لها مكملات لونية وعجائن خاصة ، بالاضافة الى اشتغاله على بعض الاخشاب واعدادها اعدادا فنيا للرسم على سطوحها ، وبعض الأعمال قدمت باشكال متمازجة لكلا
 المادتين ..
لم يقتصر المعرض على هذه الاعمال فقط ، انما هناك لوحات زيتية وتخطيطية قدمت بذات الموضوعة التي عرف فيها ، حيث الجسد الأنثوي ببعده المثيولوجي /الايروتيكي ، ورأس الثور والعلاقة الوجودية المتماهية بين
 الطرفين .
باعتقادي الخاص ان اللّوحات هذه للوهلة الأولى نتجت عن قراءة ثقافية عامة من قبل الفنان ، اسقطها لحظة تجسيد مخيلته على سطح القماش ، او سطح اللّوحة ، وهنا يبدأ التأويل التشكيلي ، بمعنى ادق يذهب الفنان الى ابعاد واسعة ومتشظية الى حيث يريد ، لأن الموضوع خاضع للأضافة بعد ترحيله ثقافيا وجماليا .
 وكأن الدكتور محمود عجمي يحاضر بصريا عن فلسفة المثيولوجيا واشكالها المجردة، وعن تقانات الفن التشكيلي المرتبطة بالموضوعة ذاتها ، ليطرح جدلا واسعاً وكبيراً ، إذ طريقة استخدام الثيمات (بكل عمومياتها والياتها) اعطى قراءة ثانية
 للأعمال ، بمعنى ان الفنان (عجمي) جعلنا في دوامة عيانية في مجمل أعماله ، اضيف اليها ادواته اللّونية 
الخاصة ..
(ترنيمة الحصى)، العنوان الذي اختصره الفنان ذاته في معرضه السابع معبرا عنه في (فولدر المعرض) بـ(عنوان اختلاجات سكنت نفسي الحالمة بالسكون ، بعد صخب حياة لا تريد الاستقرار)، ومن هذه الاختلاجات او الصخب ، استعاد ثنائية الرمز والشكل الاسطوري ، وأفاض اشكاله برؤية معاصرة ، ربما هي لعبة فنية تغور في المعنى ، او في الكشف عن دلالات جديدة ..؟.
فالشكل الحاضر المستعار الذي شاهدناه وقرأناه في تاريخنا الفني /الاسطوري ، يعود مرة اخرى باشكال معاصرة عن طريق الفنان محمود عجمي ، فآلية البناء وثقافة المرحلة ، تتطلب فتح دلالة الاشكال ، ومن ثمّ  العمل عليها مرة اخرى ، وهي من اشتغالات مابعد الحداثة ، حيث الانساق المهملة والمسكوت عنها تصبح لها قيمة متمركزة في سيمائية
 الجمالي .
 ولعل تشظيات القياس في الفن التشكيلي ، وتحديدا في الاعمال النحتية ، دفع بعض الفنانين في اعادة التفكير في انتاج الشكل ، وفي معرض (ترنيمة الحصى)، اثبت الفنان على ما تقوم به الطبيعة بـ(جيلوجيتها)، يمكن ان يصبح له قيمة جمالية او ان تكون هناك توظيفات (ماكيرية) دقيقة تستنهض الشكل وتقدمه بمنظور قابل للتلقي ، وما يلفت النظر في بعض اعمال الحصى او حجر الكلس ، شاهدنا مضموناً مكرورا او بديلا عن لوحات القماش ، فيما تمتعت بعضها بتجسيدات شكلية مجسمة لرأس الثور او جسد إمرأة او تعويذة ، كلّها غايرت مفهوم الأداء قياساً للتجارب السابقة التي 
قدمها ..
في اليوم الأخير من المعرض الذي أقيم في قاعة (ود للفنون) مركز مدينة الحلة نهاية نيسان 2019 ، اجريت جلسة حوارية من قبل اصحاب الشأن من فنانين وجمهور فني ، اعرب الفنان الدكتور محمود عجمي عن مغامرته في تجريب الأشكال المهملة وتوظيفها والعمل على قبوليتها ، أمر اخذ وقتاً كبيرا في التنقيب والأعداد المناسب ، بغية الوصول الى هدف ابعد في اشتغالاتي في موضوعة الأشكال الاسطورية والمثيولوجية ، شاطره في ذلك بعض الحضور ، ليخرج الجميع بقناعة ما قدمه الفنان من اعمال تجريبية 
مجددة.