محمد جبير
انقضى الشهر الأوّل، وستدخل الحرب البربريّة الوحشيّة شهرنا الثاني، ولم يتمكّن الكيان الصهيوني من تحقيق خطوة واحدة في تقدّمه البرّي، أو تفوقه الجوي بمقاييس الحرب، وإنّما خسر كثيرًا من الدعم الدولي مثلما هي خسائره على المستوى المادي، فقد بدأ حربه على المواطنين الأبرياء في غزّة بعد ساعات من طوفان الأقصى في السابع من اكتوبر بتشغيل ماكنته الإعلامية، وتعبئتها بمجموعة أكاذيب لتشويه صورة المقاتل الفلسطيني المقاوم للاحتلال الصهيوني، وبثّ الأكاذيب التي بإمكانها أن تتلاعب بعقول الإنسان الغربي المتعاطف أصلًا مع وحشية وبربريّة جنود هذا الكيان وآلته الحربيّة، تلك الآلة الحربية التي صبّت حممها الناريّة على الأبراج والبيوت السكنية وأماكن إيواء النازحين والمشافي والمدارس التي صارت أماكن إيواء للنازحين الذين هدمت الطائرات والصواريخ الإسرائيلية بيوتهم الآمنة.
انكشفت تلك الاكاذيب التي روّجها اللوبي الصهيوني في الغرب بعد أن شهد دعمًا لها من قبل رئيس الولايات المتحدة ووزير خارجته، والتي كذّبها البيت الأبيض بعد أيّام، لكن إصرار الكيان على الاستمرار في أكاذيبه وصل إلى حدّ الاعتراض على كلمة أمين الأمم المتحدة العام، واتّهامه بشتى الاتّهامات، والمطالبة بعزله من منصبة، وبدأت بأكاذيب إعلاميّة من أجل تسويغ جرائمها الوحشيّة والعدوانيّة، وذلك بادّعاء تلك الماكنة المختلفة باستخدام المشافي لإدارة عملياتها القتالية، وهي بذلك تسعى إلى إرهاب المنظّمات الدولية والطواقم الطبّية من تقديم الخدمات الضرورية للمحاصرين العزّل في غزة، وما قصف الصهاينة لسيارات الإسعاف التي تقف عند بوابة مستشفى الشفاء لنقل جرحى من ذوي الإصابات الخطرة، إلى مستشفيات سيناء، إلّا دليل واضح على الإمعان في ارتكاب الجرائم ضدّ المواطنين الأبرياء العزّل.
إنَّ كلّ ما فعله الكيان الصهيوني في الشهر الأوّل، وما استخدمه من كثافة نارية على شعب غزة لن يحقق لهم التفوّق العسكري والسلام المنشود، لا سيّما بعد مقتل أكثر من أربعة آلاف طفل، ومثل هذا العدد أو يزيد من النساء، فضلًا عن كبار السنّ، ليتجاوز عدد الشهداء إلى أكثر من 10 آلاف، وأضعاف هذا العدد من الجرحى، ولن تستطيع الماكنة الحربية الصهيونية من تحقيق أهدافها على الرغم من الأكاذيب التي تسوقها في الإعلام المحلّي أو الغربي، إذ إن هذه الماكنة لا تستطيع أن تقضي على شعب يتمسّك بأرضه، ويدافع عنها بوجه محتلّ غاصب مدعوم من قبل الدول الكبرى التي زرعته في قلب الوطن العربي، نعم، إنه انتصر على الأطفال الخدّج في المشافي، وقصف طفلة في اليوم السابع من عمرها، لتكون أصغر شهيدة في مسيرة النضال التحرّري، لكنّهم لم يتمكّنوا من النيل من الطفل الفلسطيني الناجي الوحيد من عائلته التي دفنت تحت أنقاض بيتهم الذي قصفته الطائرات والصواريخ الإسرائيلية، هذا الطفل الذي وقف أمام عدسات المراسلين، وقال كلمته الفصل «إنّنا أطفالٌ، ولدنا لنكون كبارًا»، شعب بهذه الروح لا يمكن هزيمته مهما طال زمن الاحتلال، ومهما كانت كثافة القوّة النارية، ومهما تهدّمت من مبانٍ وبيوت ومدارس، ومهما طال الحصار في منع موادّ الإغاثة والوقود والماء والغذاء، ومهما اشتدت الهجمة البربريّة التي يسعى العدو من ورائها أن يجعل غزة سجنًا مفتوحًا لأهالي فلسطين، فإنّه لم ولن يحقق أيّ هدف من أهدافه، وإنّ نتنياهو مهزوم في هذه المواجهة، وسوف يجد نفسه عاجلًا أم آجلًا مطرودًا من الخدمة، لأنّه كذب على جمهوره، ولم يتمكّن من عودة الرهائن بهجومه البرّي، ولم يترك فرصة للعقل في التحكّم وحلّ هذه الأزمة.