رعد أطياف
نحن، على سبيل المثال، نفصل بين الحداثة والاستعمار، بين النهب والسلب والحروب التي قامت بها الإمبراطوريات والدخول الهائلة، التي راكمتها حملات القرصنة على شعوب العالم. إذا فهمنا كيف تشكل العالم، وكيف توزعت مناطق النفوذ، وما هو دور سياسة القوة في بناء هذا البلد أو ذاك سنفهم، على الأقل، سياسات المصالح والاستيلاء كيف تحدث. نتصور أن العداء الأيديولوجي للغرب هو أس البلاء وجذر معاناتنا، والحقيقة أبعد من ذلك بكثير؛ فأوروبا حينما تطاحنت في حربين عالميتين كانت كلها دول رأسمالية ومتماثلة أيديولوجيا
من ضمن الأسئلة التي تشغل حيزاً واسعاً في طريقة تفكيرنا يحتل السؤال التالي أولوية قصوى: لماذا لا نأخذ بأسباب التقدم الغربي وننهض بشعوبنا ونسهم بحركة الحداثة؟ وبالطبع على الرغم من أهمية السؤال، تأتي الأجوبة، عادةً، مبتورة وانطباعية وانتقائية، وتتعرض إلى فصل نظري لا وجود له في الواقع، وهي أقرب للحصص المدرسية منها إلى الوقائع
التاريخيَّة.
فنحن، على سبيل المثال، نفصل بين الحداثة والاستعمار، بين النهب والسلب والحروب التي قامت بها الإمبراطوريات والدخول الهائلة، التي راكمتها حملات القرصنة على شعوب العالم.
إذا فهمنا كيف تشكل العالم، وكيف توزعت مناطق النفوذ، وما هو دور سياسة القوة في بناء هذا البلد أو ذاك سنفهم، على الأقل، سياسات المصالح والاستيلاء كيف تحدث.
نتصور أن العداء الأيديولوجي للغرب هو أس البلاء وجذر معاناتنا، والحقيقة أبعد من ذلك بكثير؛ فأوروبا حينما تطاحنت في حربين عالميتين كانت كلها دول رأسمالية ومتماثلة أيديولوجياً.
نحن لا نملك ترف الاختيار في صناعة السلم والحرب ولا يحق لنا التصرف خارج نطاق النفوذ العالمي.
هذه ليست نظرة عدمية، وإنما قراءة الواقع كما هو، وحينما تفرض على شعب ما حرب مدمرة، كسوريا والعراق واليمن وليبيا، والآن العدوان الهمجي على غزَّة، فهو لا يملك ترف الاختيار.
بعبارة أخرى، الشعوب لا تعشق الحروب، لكنها تُفرض عليهم فرضاً.
بالمناسبة، الغربيون لا يحترمون الدبلوماسي العربي، هم يحترمونه بالقدر الذي يناسب نفوذهم.
شعر الأمريكان بإهانة بسبب نجاح الدبلوماسية الإيرانية على خلفية الأزمة النووية بين البلدين، فلم يهدأ بال الأمريكان، ومن خلفهم لوبيات الضغط، إلى أن تم إلغاء الاتفاقية، وعلاوة على ذلك فرضوا على الشعب الإيراني عقوبات مذلة.
السلام والحرب ليس من اختيارنا، والبناء والهدم أمر موكول لنا بالنيابة! وتراكم الأرباح في منطقتنا يجري حسب منطق التنمية المعكوسة؛ فماذا ينفع الشركات الاستثمارية البناء في اليمن قياساً إلى الأرباح الطائلة التي تراكمها شركات السلاح؟
تكمن المفارقة في هذا الواقع المأساوي هو أنه مأساوي بلا رتوش!
أعني أنه يجري بلا زيادة أو تأويل.
لكن هذا الواقع يجري تلميعه وتركه وإهماله، لأن بعض الأقلام اكتشفت أننا شعوب لا تستحق الحياة، كما لو أن المشكلة اجتماعية بالجوهر وليست سياسية، ويُخَيَّل إلينا أن باقي المجتمعات نزلت من السماء طاهرة مطهرة.
وعلى الجانب الآخر ثمة حقيقة تاريخية تقول إن حقل السياسة، هو حقل لا يحتمل المنطق التجريدي، وهذا صحيح تماماً.
حجتنا في تفسير السياسة العالمية مرتبطة دائماً بفهم المصالح الحيوية لدول المركز. وهي حجة واقعية.
لكن ليس من الواقع في شيء، ولا من المصالح الحيوية أن تتحول عشرات الجثث البريئة إلى قربان لسياسات دول المركز.
ماذا لو خسر الغرب نصف هذه الأعداد، ماذا لو خسر الصهاينة ربع ما خسره الفلسطينيون نتيجة الأعمال الإرهابية الوحشية على المدنيين العُزَّل.
الفلسطينيون يتعرضون لعملية ذبح بطيء أمام تواطؤ دولي خسيس ومنحط وإرهابي، يتعامل باحتقارٍ وتعالٍ تجاه قضايانا المصيرية، وينظر لنا، وخصوصاً مع الفلسطينيين، بوصفنا كائنات أدنى من البشر.
ومن ثم لا مجال لطرح السؤال أعلاه، فهو سؤال مغلوط ولا يمثل سوى ربع الحقيقة، السؤال الأكثر أهمية: هو متى ينتهي هذا الموت المجاني؟.