سبق

آراء 2023/11/14
...

  طالب سعدون 

لم يرق الموقف العربي بما فيه الاعلامي إلى مستوى الحدث وخطورة العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي دخل شهره الثاني منذ أيام، وربما يطول لاشهر أخرى.. وليس في الافق ما ينبئ بايقافه، لأن الحديث يدور حول هدن وليس إيقاف العدوان، واطلاق سراح المحتجزين وليس حق شعب يتعرض لإبادة جماعية.

ويلاحظ أن هناك قنوات عربية تبدو وكأنها حيادية في نقل الأحداث، حيث تقوم بالتغطية من وجهة نظر الطرفين تحت ذريعة المهنية والرأي والرأي الاخر والسبق الصحفي، بما في ذلك استضافة مسؤولين إسرائيليين ونقل تصريحاتهم ومؤتمراتهم مثل الناطق باسم الجيش الإسرائيلي وغيره ومحللين إسرائيليين والانكى من ذلك هناك من يطلق على شهداء غزَّة (قتلى) وهو اجحاف بحق الفلسطينيين. 

التطبيع الاعلامي حتى وإن كان تحت مبرر قوة الحدث وخطورته والحيادية فيه يجعل العرب ومنهم صغار السن والشباب يستمعون، ويتابعون رغما عنهم وجهة النظر الأخرى، ودخل (الآخر المرفوض) بيوتهم عنوة، ليقنعهم بوجهة نظره قسرا، ويجعل الرأي العام يعتاد على التعامل مع (إسرائيل) كأي دولة من دول العالم في التغطية الإخباريَّة والاستضافة والحوار والرد والتعليق والتوضيح، وربما يكون قد مهد (بطريقة ناعمة) للتطبيع الرسمي مع بعض الدول العربية، وتبادل الزيارات والوفود الفنية والمشاركة في المؤتمرات والندوات والمهرجانات، وبذلك تحول من (عدو وكيان غاصب إلى صديق مسالم ومؤثر)، ومساند من اعداء (مفترضين أو حقيقيين) وستسفر العلاقة معه عن طفرة نوعية على الصعيد الأمني والاقتصادي والعلمي والسياحي، وحالة من الاستقرار والتطور والسلام خلاف حالة القطيعة.. لكن العدوان على غزَّة أثبت خطأ تلك الآراء وفشل التطبيع في تغيير السياسة الإسرائيليَّة وأطماعها، فهي إستطاعت أن تحصل على نتائج هذه العلاقات فورا..

مفارقة غريبة أن تحصل (إسرائيل) على كل ما تريد من العرب وهي دولة احتلال ولا تعطي العرب شيئا من أرضهم المحتلة.. والأغرب أن تقابل الإبادة الجماعية والموت بآلة الحرب الإسرائيليَّة بالاستنكار العربي فقط أو الوساطة والمناشدة..

الفلسطينيون لم يحصلوا من (أخوانهم) الحكام العرب غير الاستنكار والشجب أوالصمت أو الدعوة لإرسال المساعدات الإنسانية على عكس (إسرائيل)، التي تحظى من حلفائها على كل اشكال الدعم العسكري والاعلامي والدبلوماسي.

لقد وصل التخلي عن قضية فلسطين عند البعض حدا يفوق الوصف، وتحولت من قضية العرب المركزية إلى ثانوية تحت حجة أن لكل عربي فلسطينه اليوم وتحول الصراع العربي الإسرائيلي إلى ما يسميه البعض الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.. وأقل ما يوصف بانه تراجع عن الموقف العربي وربما يشكل حتى الاستنكار حرجا للبعض. سلام وصك غفران مقابل إبادة جماعية لأهالي غزَّة.. و شهداء وجرحى ومفقودين ومشردين وتحت الانقاض بالآلاف.. ومع ذلك تسمع من يساوي بين المقاومة وإسرائيل في مناشداته أو يدعو (إسرائيل) إلى عدم التصعيد، وكأن ما دون هذا الوصف مقبول أو هناك (عدوان حضاري وإنساني وراق)، وهي التي بلغت في عدوانها درجة الابادة البشرية لشعب أعزل، أغلب ضحاياه من الاطفال والنساء والشيوخ. استنكار لا يتعدى الكلمات والمناشدات مقابل ابادة جماعية ومحرقة بشرية..

موقفان في قمة التناقض واللامعقول..