جويل سناب
ترجمة: بهاء سلمان
تمَّ استخدام الملح، المعروف أيضاً باسم كلوريد الصوديوم، للحفاظ على الطعام وتعزيز النكهات منذ آلاف السنين. لكنْ، هل يمكن حقاً أنْ يشكلَ تناول الملح خطراً على الصحة؟
تقول إحدى الشخصيات في القصة القصيرة للكاتبة الدنماركية «كارين بليكسين»: «الطوفان في نورديرني»: «إنَّ علاج أي شيء هو الملح، سواء أتى من العرق أو الدموع أو البحر». ولكنْ في حين أنَّ هناك الكثير مما يستحق الثناء من القيام بجولة ركض طويلة، أو البكاء قليلاً، أو إلقاء نظرة متأملة على المحيط الأزرق الواسع، فقد أصبحت الحياة اليوميَّة أكثر ملوحة بكثير منذ عهد بليكسين، ولم يعد الملح هو العلاج الوحيد الذي كان عليه من قبل. إذن ماذا يجب أنْ نفعلَ حيال ذلك؟
حدٌ أقصى لتناول الملح
أول أمرٍ بشكلٍ تامٍ هو ما توصي به منظمة الصحة العالميَّة بوضع حد أقصى لتناول الملح بمقدار 5 غرامات يومياً، وإذا أمكن الإبقاء على جعله أقل من ذلك. يعودُ السبب في ذلك، وفقاً لمجموعة كبيرة من الأدلة، بارتباط تناول الكثير من الملح بمرض ارتفاع ضغط الدم، والذي بدوره يعدُّ عامل خطرٍ للإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغيَّة. الملح هو كلوريد الصوديوم من الناحية الفنيَّة؛ ويبدو أنَّ الصوديوم هو الذي يؤدي إلى معظم آثاره السيئة، ولهذا السبب تميل العلامات التجاريَّة الأميركيَّة إلى الترويج لخياراتها المنخفضة الصوديوم.يقول «جراهام ماكغريغور»، أستاذ طب القلب والأوعية الدمويَّة ورئيس الجمعيَّة البريطانيَّة لارتفاع ضغط الدم: «الملح في الأساس شكلٌ مزمنٌ طويلُ الأمد من السم، ويعدُّ ضغط الدم عاملاً كبيراً في الصحة مع تقدّم الإنسان في العمر، ونحن نرى أدلة على أنَّ الملح الزائد يرفعه على مدار حياتك». وفي الآونة الأخيرة، ارتبط الملح الزائد أيضاً بمرض السكري من النوع الثاني، إذ أظهر الأشخاص الذين يضيفون الملح «دائماً» أو «عادة» إلى وجباتهم خطراً أكبر بنسبة 39 % و20 % للإصابة بالحالة مقارنة بأولئك الذين «نادراً» أو «أبداً» لا يضيفون الملح لوجباتهم.
رأيٌ مناقض
هنا يمكن أنْ نوردَ ملاحظة سريعة: قبل بضع سنوات، ربما سمعتم أنَّ المسألة المثارة ضدَّ الملح مبالغٌ فيها، وذلك بفضل البحث المنشور في مجلة لانسيت الذي عزز الادعاء: «لا يوجد دليلٌ مقنعٌ على أنَّ الأشخاص الذين يتناولون كمية معتدلة أو متوسطة من الصوديوم يحتاجون إلى تخفيض استهلاكهم لهذا النوع من الأملاح للوقاية من أمراض القلب والسكتة الدماغية». ومع ذلك، تعرّضت الدراسة لانتقادات لاستخدامها قياسات البول الموضعيَّة، والتي لا تعكس دائماً تناول الملح بدقة، إلى جانب مخاوف أخرى.
وبدون إجراء تكرار أفضل، فمن المؤكد أنَّه لا يعدّ كرخصة لتناول
الملح.فهل الجواب هو وضع علبة الملح جانباً؟ الأمر أكثر تعقيداً من ذلك: كما تشير مؤسسة القلب البريطانية، فإنَّ 75 %من الملح الذي نأكله يضاف إلى المواد الغذائيَّة قبل أنْ يصلَ طعامنا إلى أطباقنا. في معظم العقد الأول من القرن العشرين، كانت المملكة المتحدة رائدة عالمياً في تقليل الملح، إذ فرضت وكالة معايير الأغذية (FSA) قيوداً صارمة على الكميَّة التي يمكن تضمينها في معظم المنتجات. ولكنْ في العام 2010، ومع ظهور “صفقات المسؤوليَّة” التي قدمتها الحكومة، أخذت صناعة الأغذية نفسها زمام المبادرة في هذه العمليَّة، إذ أصبحت الحدود أكثر طوعيَّة. الآن، حتى العلامات التجارية التي ترغب في تقليل محتوى الملح في أطعمتها تتعرضُ للعرقلة بسبب ما يفعله الآخرون: بصرف النظر عن كونه واحداً من أرخص أشكال النكهة المتاحة، يمكن أيضاً استخدام الملح لتضخيم الأطعمة عن طريق زيادة محتواها
المائي. يقول ماكغريغور: “كما قال أحد زملائي في ذلك الوقت، فإنَّ ترك الأمر للمصنعين يشبه تعيين دراكولا مسؤولاً عن بنك الدم.
بعض محال التسوّق الكبيرة تريدُ تطبيقاً أفضل، لكنْ ينبغي أنْ يتمَّ فرضه من جهاتٍ عليا”.
الاعتماد على الذات
الجواب إذاً هو أنَّ هذا أحد المخاوف الصحيَّة التي ربما ينبغي لنا أنْ نقلقَ عليها بشكلٍ جماعي، لأننا لا نملك إلا فرصة ضئيلة للغاية لمعالجة تناولنا للملح من خلال أفعالنا الشخصيَّة. نعم، إذا كنت في وضعٍ جيد، من حيث وقتك وأموالك، فيمكنك اتّخاذ خطوات مثل طهي معظم وجباتك بكامل تفاصيلها من البداية للنهاية، مع تجنّب الوجبات السريعة والوجبات الجاهزة، وتقليل كميَّة الملح التي تضيفها إلى الطعام. وسوف تتكيّف حاسة التذوّق لديك بمرور الوقت، ويمكنك تجربة مصادر أخرى للنكهة، مثل التوابل أو الحمضيات، والتي يمكن أنْ يكون لها في الواقع تأثيرات مفيدة؛ ويبدو أنَّ الثوم، على سبيل المثال، يخفض ضغط الدم، بدلاً من رفعه. كما يمكنك أيضاً زيادة تناولك للفواكه والخضراوات، إذ توجد أدلة حديثة على أنَّ البوتاسيوم الموجود فيها له تأثير وقائي ضد الملح، لكنه ليس خياراً متاحاً للجميع. يقول ماكغريغور: «في مرحلة ما، نجحت وكالة معاير الأغذية في خفض كميَّة الملح التي يمكن إضافتها إلى الأطعمة، وانخفض استهلاك الملح داخل بريطانيا بأكملها تقريباً من دون أنْ يلاحظَ أحدٌ حقاً أنَّ أي شيء قد تغيّر. الآن، دول مثل تشيلي والأرجنتين تتقدم نحو تقليل الملح في الطعام، ونحن رجعنا إلى الوراء». يمكنك إزالة علبة الملح من على الطاولة، وغسل الفاصولياء والبقوليات، واختيار الأطعمة منخفضة الصوديوم.
صحيفة الغارديان البريطانية