أدب المقبلات !

ثقافة 2019/05/13
...

حسين رشيد
 
 
احد دور النشر الخليجية المشاركة في معرض اربيل الدولي للكتاب بدورته الرابعة عشرة والذي عقد الشهر الماضي يشغل جناحا واسعا يغص بالكتب ان كانت المرصوصة على الاستاندات او تلك المعروضة على الطاولات، من بينها رواية تحمل في اعلى الغلاف الطبعة (التاسعة والاربعون) العنوان باللغة الدارجة في ذلك البلد، تصفحت بعض اوراقها عسى ان اجد ما يؤهل هذه الرواية ان تصل الى هذا الرقم بالطبعات لكن ما من شيء يدل على ذلك بل حتى الطبعة الثانية على
 الاقل. 
وثمة كتب اخرى جلها تصنف على انها “رواية” تحمل الطبعات العشرينية والثلاثينية وربما هناك ما يفوق الطبعة (التاسعة والاربعون).. الامر لم يتوقف على ذلك فالعناوين وتصاميم الاغلفة تحمل ذات المضمون لكنها قد تكون جاذبة لقراء تلك الكتب، الذين يجدون فيها ملاذهم ومتعتهم الخاضعة لمستوى وعيهم وفكرهم دون الانتقاص 
منهم.
هذه الكتب اشبه بالوجبات الغذائية السريعة المشبعة بالدهون والكاربوهدرات التي تهجم على الجسم بهدوء وتحوله الى كيس تتجمع فيها كل اضرار الاغذية جراء الادمان عليها لما فيها من نكهات ومطيبات شبيهة باغلفة الكتب والعناوين 
الجاذبة. 
وضرر الوجبات السريعة لايتوقف هنا فهي سبب رئيسي لعدم وجود نظام غذائي صحي يلتزم بوجبات رئيسية بقيم غذائية محفزة للجسم واعضائه كافة، فضلا عن تسببها بسد الشهية اثناء الوجبات الرئيسية البيتية، ليعود الشخص الى تناول وجبة اخر قبل موعد النوم ليكون الضرر هنا مركبا.
 اسوق هذا المثل على تلك الكتب التي قد تتسبب بحرف قراءها عن مسار القراءة الحقيقة لكتب ممكنة ان تحفز العقل لطرح اسئلته، وتعمل على تنقية الوعي وزيادته، مثلما تخلق من القارئ انسانا اخر يحدث نفسه مع كل وجبة او برنامج قراءة يعتمد على نوعية الكتب الادبية وبوجه الخصوص الروايات والقصص التي تدعم المعرفة وتفتح مغاليق الوعي ان كان بالحدث وتناوله وتحليله او باللغة و بنوعية طرح الحدث ان كان تاريخيا او متخيلا او واقعيا وهنا لكل نوع كتابي حدثي واقع مهم على القارئ  يتلائم مع مستوى وعيه وخبرته 
القرائية.
لكن لماذا تتكاثر هذه الكتب وتتزايد اماكن بيعها، وتكثر دور النشر التي تبعها وتروج لها، والمفارقة ان نسبة كبيرة منها تطبع على نفقة دور النشر، فيما يلجأ كتاب اخرين ملتزمين بالكتابة الادبية الابداعية الرصينة الى دفع نفقات طباعة كتبهم، وهنا تكمن مفرقة عجيبة غريبة، لن تبتعد عن وجود دعم وترويج لهذه الكتب في سبيل تقديم الادب “المقبلاتي السريع” بمستوياته الهابطة على الادب الرصين المحفز للبحث عن اجوبة في كل ما 
يتناوله. 
والمحنة الاخرى صعود بعض هذه الاعمال الى منصات وقوائم جوائز ثقافية ادبية يفترض انها محترمة تحترم القراء في اختياراتها للقوائم الطويلة والقصيرة، لكن الذي يبدو ان “رأس المال الثقافي الاسود” يقوم بدوره على اتم وجه.