زهير كاظم عبود
الإيغال في تدمير غزة وإيقاع أكبر الخسائر البشريَّة بين الفلسطينيين المدنيين، (أكثر تلك التضحيات بين الأطفال والنساء والشيوخ والعجائز)، والاستمرار بالقصف الجوي والصواريخ الثقيلة الموجهة للقتل ولتهديم البنى التحتيَّة والمرافق الحيويَّة في غزة ومناطق أخرى من الضفة الغربيَّة، والإصرار على مواجهة وتحدي جميع النداءات والمطالبات الدوليَّة الرسميَّة والشعبيَّة، وعدم الاكتراث حتى لخطابات الأمم المتحدة والدول المحايدة التي تطالب بوقف القتال أو تحقيق هدنة إنسانيَّة لإيصال المساعدات الضروريَّة لقطاع غزة
كل هذا دليلٌ ثابتٌ ومؤكدٌ على فشل سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في جميع الأصعدة، والإصرار على صفحة الموت اليومي الدامي لعشرات الآلاف من الضحايا البشريَّة والخراب الحاصل في المدن وأماكن السكن ليس إلا تغطية لهذا الفشل الصادم.
الفشل يتوضح بشكلٍ لافتٍ في المساندة الأميركيَّة العسكريَّة والاستخباريَّة لقوات الاحتلال، التي شعرت بخوفها على الأوضاع في الدولة الإسرائيليَّة، والفشل يتأكد بشكلٍ ثابتٍ في اتخاذ حجة القضاء على مقاتلي منظمة (حماس) و(الجهاد الإسلامي) لقتل أكبر عددٍ ممكنٍ من المواطنين الفلسطينيين المدنيين في المناطق التي يتمُّ استهدافها من قبل الطائرات والصواريخ والمدافع الثقيلة، والفشل يتوضح أيضاً في عدم تمكن قوات الاحتلال من أنْ تجد حلاً إنسانياً مقبولاً يمكنها من توفير فرصة للأمن والسلام لمواطنيها على الأقل، والفشل أيضاً ينسحبُ على الانهيار الاقتصادي ابتداءً من انهيار سعر (الشيكل الإسرائيلي) وانتهاءً بطلب المساعدات والمعونات من الدول الواقعة تحت سطوة وهيمنة سياسة الولايات المتحدة الأميركيَّة، والفشل أيضاً يكمنُ في عدم وجود مخرجٍ لنهاية هذه الحرب التي تدورُ تحت أنظار المجتمع الدولي من دون توفر وسيطٍ أو قيادة سياسيَّة محايدة تضع خطوطاً أو برنامجاً لإحياء ما تمَّ الاتفاق عليه مع القيادات الفلسطينيَّة سابقاً، وكل اتفاقٍ أو مخططٍ أو وجهة نظر بعيدة عمَّا تقرره القيادة الفلسطينيَّة صاحبة المصلحة الحقيقيَّة لن يكون مجدياً ولا يصنع سلاماً حقيقياً أو حياة آمنة ومستقرة للجميع.
سيوغلُ رئيس الوزراء الإسرائيلي بالدماء الفلسطينيَّة والإسرائيليَّة حتى يغطي على سياسته الفاشلة والتوجهات اليمينيَّة والعنصريَّة السيئة، وحتى يتجنب المحاسبة والمحاكمة التي تنتظره بعد انتهاء هذه الحرب، والوساطات الخجولة والبطيئة لا تتناسب مع صفحة القتل والموت والدمار الذي يتعرض له شعبُ فلسطين بشكلٍ عامٍ وسكان قطاع غزة بشكلٍ خاص، وبانتظار أنْ يجد ماءً لغسل الفشل والخيبة التي تحققت نتيجة سياسته اليمينيَّة المتطرفة فيحلم بتحقيق نصرٍ بأي شكلٍ من الأشكال.
إنَّنا أمام محنة إنسانيَّة كبيرة لا بُدَّ أنْ يكون لها من حلٍ مؤقتٍ أو جذري يحفظ ويحقن دماء البشر، ولا بُدَّ من تحركٍ سريعٍ وحاسمٍ يلزمُ جميع الأطراف باللجوء الى العقل والحكمة والحقوق لضمان الحياة على الأرض من دون خوفٍ أو رعبٍ من القصف الجوي أو من تعدي الدوريات العسكريَّة أو الاعتقال والتعدي على الكرامة والشرف وقطع الأرزاق، إنَّنا أمام محنة مسؤولٌ عنها كل ملكٍ أو رئيسٍ عربي قبل أنْ يكون كل زعماء الأرض مسؤولين عن إزهاق هذه الأرواح المستمر بهذا الصمت والتهاون في الموقف.
الحروب بين الدول لا تشكل حلاً ولا تعطي انتصارات لأي طرفٍ مطلقاً، لذا فإن التلويح والرغبة في توسيع دائرة الصراع واللجوء إلى تحفيز أو دفع دولٍ تحت ظروف التطرف لأنْ تدخل الحرب بين العديد من الدول لن يزيد البشريَّة إلا خسارات ومرارة، العواطف والرغبات الضيقة والشعارات لا يمكن أنْ تخلق لنا الأمان والوصول الى الحقوق المشروعة، وما يزيد من توسيع المحنة تلك المواقف المتناحرة والمتناقضة بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي الذي لم يتوصل الى قرارٍ حاسمٍ، من دون أي رادعٍ أو اعتبارٍ لهذه الدماء والخراب الحاصل، ومن دون تفكيرٍ بالنتائج التي تزيد التباعد الإنساني والعداء المتجذر بين الناس، ولعلَّ فسحة من ضمير تحرك من يمتلك القرار السياسي ليضع المصالح السياسيَّة والدوليَّة جانباً حتى يتحقق الوقوف عن استمرار جريان نهر الموت، وحتى يتحقق الإبقاء على ما تبقى من تلك البيوت والبنى التحتيَّة والمستشفيات والأماكن التي تلوذ بها الناس وقت الحرب.
ما نشاهده اليوم ليس مواجهة بين قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي وبين تنظيم عسكري أو ميليشيا مسلحة، المواجهة اليوم بين كل ما يمتلكه جيش الاحتلال من قوة غاشمة وعسكريَّة لمواجهة شعبٍ أعزل من دون حماية تمَّ حرمانه من الدواء والغذاء والماء ودمرت بيوته والمستشفيات والمستلزمات الطبيَّة والأسواق والمرافق العامة، من دون أنْ يجدَ من يسانده أو يقف معه في زمنٍ هو بأمس الحاجة للوقوف معه، ولعلَّ الاكتواء بنار الاحتلال وظلمه وجبروته وطغيانه والموت بصواريخه وقنابله وسجونه من قبل أهل فلسطين أكثر إحساساً وتعبيراً من جميع الشعارات والتعاطف والمواقف الاعتباريَّة، وبانتظار بارقة أمل وفسحة لأنْ يتنفس فيها الفلسطيني الذي دفن ولده ووارى أهل بيته التراب وهو يحملُ بيده طفله الذي بترت ساقه وتشوه وجهه الجميل.