ساطع راجي
مع كل حملة انتخابيَّة تزدحمُ الشوارع والساحات وجدران المؤسسات وأعالي البنايات بالصور الدعائيَّة بلا نظام ولا ضابط، رغم وجود تعليمات واضحة من مفوضيَّة الانتخابات تحدد أماكن وطرق الدعاية للمرشحين في الأماكن العامة
وفي مقدمتها عدم التجاوز على الحدائق والجزرات الوسطيَّة وتفرض عقوبات على المخالفين وهو ما لا يهتم به أغلب المتنافسين، متجاهلين العواقب السياسيَّة والنفسيَّة للفوضى التي يحدثونها.
لا يوجد حتى الآن دليلٌ ماديٌ واحدٌ يؤكد وجود تأثير للدعاية في الشارع على عدد الأصوات التي يحصدها المرشح في الانتخابات العراقيَّة، كما أنَّ مرشحين دائميين يفشلون رغم إصرارهم على تثبيت صورهم الكبيرة والمبهرجة في قلب العاصمة ومراكز المحافظات في كل شارع وساحة، بطريقة تتحول بها الصور والفليكسات الدعائيَّة الى جدارٍ عازلٍ يمنع الرؤية في الشارع ويشتت البصر ويدفع الى النفور من العمليَّة الانتخابيَّة، لأنَّ الجشع في احتلال الفضاء العام وتخريب الحدائق والجزرات ومخالفة تعليمات وضوابط الحملات الانتخابيَّة وغياب الذوق في الدعاية بطريقة جماعيَّة كلها مبرراتٌ لليأس من المرشحين وأحزابهم. مؤسفٌ ومؤلمٌ، أنْ ترى الدعاية الانتخابيَّة متخلفة ومخالفة وهي لزعيم سياسي أو حزب شارك ويشارك في الانتخابات المتتابعة ولديه من يمثله في السلطات التشريعيَّة والتنفيذيَّة ويفترض أنَّه امتلك خبرة في الانتخابات وعرف ما يجذب وما يبعد الناخب واطلع على تجارب المجتمعات الأخرى وتحسنت ذائقته الفنيَّة وتدربت عينه على الجمال، وطور ماكنته الدعائيَّة لتتجاوز تقنيات وأساليب أول حملة انتخابيَّة في النظام الجديد، أو على الأقل صار يرفضُ تعريض صوره للإساءة فلا يضعها إلا في مكانٍ مناسبٍ أو تعالى على مشهد الهجوم على نايلون وأعمدة الفليكس الدعائي من باعة المخلفات الذين يطلقون هجماتهم بمجرد انتهاء الدقيقة الأخيرة للحملة الانتخابيَّة.
إنَّ الإصرار على التزاحم الدعائي في الأماكن العامَّة مع عدم وجود دليلٍ على جدوى هذا النوع من الدعاية يدفعُ الى تفسيرات أخرى لهذا السلوك منها هيمنة التغالب والتكالب اللامحدود بقانونٍ أو عرفٍ على السلوك السياسي بهدف الاستحواذ على السلطة والمقدرات العامة وتقديم المصلحة الشخصيَّة والحزبيَّة على كل مصلحة أخرى ولو تسبب ذلك بالأذى للمواطنين وبالتشويه للمدن والمباني، وبعد كل هذا هناك من يسأل عن سبب العزوف عن المشاركة في الانتخابات!.