عبدالأمير المجر
بعد أن قطعت ثورة تشرين شوطا كبيرا في طريقها إلى اهدافها، واسقطت حكومة وأتت بأخرى، مهمتها الرئيسة التهيئة لانتخابات مبكرة، تم تحديد موعدها، بدأت القوى المستهدفة من قبل الثورة بلملمة أنفسها والتهيؤ لدخول الانتخابات.. في تلك الاثناء فوجئنا بإعلان أغلب قوى تشرين وبعض القوى المدنية مقاطعتها للانتخابات، بل ذهب بعضها إلى الترويج للمقاطعة وحث الناس على عدم التصويت!، الأمر الذي جعل الساحة شبه محتكرة لأحزاب السلطة التي لم تجد منافسة حقيقية لمرشحيها، باستثناء عدد قليل من قوى تشرين أو المحسوبين عليها وقد فاز اغلبهم
لكن عددهم القليل جعل حضورهم في مجلس النواب غير مؤثر، وقد كان فوز نحو خمسين (مستقلا) و(تشرينيا) في الانتخابات المبكرة، ادهش المقاطعين من اصحاب النيات الحسنة، وقد اعلن بعضهم عن ندمه لعدم التصويت ظنا منه أن الانتخابات الاخيرة ستكون كسابقاتها، أي غير نزيهة ولن تأتي بالمخرجات المرجوة.. على أية حال، انتهى ذلك الفصل ووجدنا أنفسنا في مرحلة جديدة، يخطئ من يقول إن ظلال تشرين بعيدة عنها، لأن مرحلة ما بعد تلك الثورة المباركة لم ولن تكون كما قبلها والعراق اصبح فعلا في منطقة مختلفة ولكنها ليست بمستوى الطموح بالتأكيد.. اليوم اقتربنا من استحقاق انتخابات مجالس المحافظات التي هي من وجهة نظري اخطر من الانتخابات النيابية، لان الصلاحيات الممنوحة لمجالس المحافظات تصل إلى حد اقامة الاقاليم، اي الانفصال عن العراق بشكل عملي تحت مسمى الفيدرالية، فضلا عن صلاحيات اخرى تتصل بحياة الناس ومستقبلهم.. ولم يعد يفصلنا الكثير عن موعد الانتخابات لكننا لم نَرَ حضورا واضحا من خلال الدعاية الانتخابية لقوى تشرين التي نشاهد باستمرار أولئك الذين يظهرون على الفضائيات بشكل مستمر مدعين أنهم يمثلونها ويتحدثون عن تنظيم أنفسهم وعن قدراتهم التي ستصرع الاحزاب التقليدية وتخرجها من الساحة! هؤلاء الذين تصح تسميتهم بالظواهر الصوتية، لا يداخلنا الشك في أنهم يعملون بشكل غير مباشر لخدمة قوى الفساد والإبقاء عليها وبالاتفاق معها، وانهم من المحسوبين على ثورة تشرين وعلى القوى المدنية، والدليل أنهم روجوا كثيرا لمقاطعة الانتخابات السابقة وهم يعرفون تماما أن القانون العراقي لا يلغي نتائج اية انتخابات حتى لو وصلت نسبة المشاركة واحد بالمئة، فما الجدوى اذن من الدعوة للمقاطعة، سوى العمل على ترك الساحة لقوى الفساد التي اندلعت الثورة لإبعادها عن المشهد؟.
لقد اصبح المشهد الاعلامي في العراق ملتبسا وبات من الصعب فرزنة الأمور، ومعرفة توجهات الذين يظهرون على الفضائيات أو ينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي ويتحدثون عن ضرورة إنهاء الفساد، لكنهم في الجوهر يعملون على تكريسه والعمل مع رؤوسه.. الشارع يريد قائمة موحدة وكبيرة باِسم تشرين ويجب أن تحدد اهدافها وتعلنها وتروج لمشروعها، اما أن يظهر هذا أو ذاك متحدثا باسم تشرين في وسائل الاعلام ويهاجم العملية السياسية ويدعو إلى تغيير الفاسدين من دون أن ينزل للميدان بشكل واضح ويروج في الوقت نفسه لمقاطعة الانتخابات، فهذا من دون ادنى شك يمثل غطاء اعلاميا عملت على صناعته قوى الفساد مثلما عملت على صناعة اغطية اخرى لتجعل منها ستارا تطمئن خلفه وتفعل ما تريد.