فون روبرتس
ترجمة: بهاء سلمان
عاشت الإسبانية «ماريا برانياس» الزلازل والحرب والأوبئة والحرائق، ولا تزال في عمر 116 عاما نشطة ومتفاعلة مع من حولها، فهي سليمة العقل، وقوية القلب، ومتنبهة ذهنيا، وتقدم النصائح على موقع X (تويتر سابقا) حول كيفية إضافة تلك العقود الإضافية. تكتب ماريا قائلة: «النظام، والهدوء، والتواصل الجيد مع العائلة والأصدقاء، والتواصل مع الطبيعة، والاستقرار العاطفي، وعدم القلق، وعدم الندم، والكثير من الإيجابية والابتعاد عن الأشخاص السامين.» كما يمثل اللبن الطبيعي والجينات والحظ أمور مساعدة.
وقبلت ماريا على أن تصبح جزءا من التحقيق الذي تجريه عالمة الوراثة الدكتورة «مانيل إستلر» حول سبب انخفاض عمرها البيولوجي كثيرا، على الرغم من أنها تبلغ من العمر أكثر من مئة عام. ربما لا يكون التسعينيون هم الخمسينيين الجدد بعد، لكن عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 100 عام أو أكثر آخذ في الازدياد، والعديد منهم يتحدى مفاهيم الانحلال والضعف.
«جين كالمينت»، التي توفيت في آرل بفرنسا عام 1997 عن عمر يناهز 122 عاما، والتي انتقلت قبل وفاتها بخمس سنوات للعيش في دار للمسنين، دعت إلى تناول جرعة يومية من النبيذ والشوكولاتة والسكائر؛ بنفس الوقت الذي كانت الفكاهة لا تفارقها وتسري داخل شرايينها. وقالت ذات مرة لأحد الصحفيين: «لم يكن لديّ قط سوى تجعد واحد، وأنا جالست عليه».
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة في عام 1995، كان هناك 95 ألف شخص تفوق أعمارهم المئة سنة على مستوى العالم. وبحلول عام 2100، توقعت المنظمة العالمية أنه سيكون هناك «تسونامي فضي» يزيد عن 20 مليون شخص.
أهدافٌ تحتاج لجهودٍ كبيرة
ويبدو أن إطالة عمر الإنسان هو الهاجس الحالي للمليارديرات، الذين يضحون بمنتصف أعمارهم من أجل حمامات الجليد، والأنظمة الغذائية الصارمة، والفيتامينات، وممارسة الركض لمسافات طويلة على أمل أن يتمكنوا، مثل قناديل البحر والهيدرا وديدان أعماق البحار، من التخلّص من الخلايا الهرمة وتجديد الشباب، لتصير خالدا مثل بيتر بانز. لكن هل المعركة الدائمة لإلغاء الموت هي حياة تستحق العيش؟
يكمن الأمر المثير للاهتمام في حالتي كالمينت وبرانياس في عيشهما عمرا صحيا طويلا دون هذا العقاب الذاتي. بالطبع، يعد عمل العلماء الذين يحاولون عكس الجوانب المسببة للانحلال والشيخوخة وراثيا أمرا مهما، ولكن من المهم أيضا التنبه لمسألة كيف يمكننا أن نتعلم أن نعيش حياة جيّدة قبل فوات الأوان.
منذ وقت ليس ببعيد، كان الناس يولدون ويعملون ويتقاعدون ويموتون حتى قبل أن يتاح لهم الوقت لتسلّم مكافأة التقاعد من الصندوق المانح. ولكن ماذا الآن، بعد خمسة عقود أو أكثر من النقطة الفاصلة التقليدية للعمل مدفوع الأجر؟ ما الذي يمنحك الفرح؟ كيف يمكنك أن تدفع ثمن ذلك؟ ماذا سيكون وضع حياتنا عندما تموت عائلاتنا، ويغادر الأصدقاء، وينتهي الطموح الحياتي، ومن المرجح أن يكون الدخل محدودا، ونعيش في عالم ما بعد المئة عام، الذي تسكنه الإناث إلى حد كبير في دولة رفاهية باليه؟
ليس كل شيء قاتما. في كتابها الذكي والحكيم «Out of Time» (خارج الزمن)، تقتبس الكاتبة «لين سيغال» من الشاعرة «ماي سارتون» الكلمات التالية: «الشيخوخة يمكن أن تكون رائعة... أنا متأكدة مما تدور حوله حياتي، لدي قدر أقل من الشك الذاتي للتغلب عليه». ربما يكون ذلك فقط في «الشيخوخة المبكرة»، 70 عاما؟ 80؟، أن تستقر القطع في مكانها، وبدأت أخيرا في فهم كيفية وصولك إلى هذه النقطة، للأفضل أو للأسوأ.
أفكار عامة
تقليديا، يتم تقدير النساء لشبابهن وقدرتهن الإنجابية، ومع تجاوز المزيد منهن أكثر من 100 عام، هل سيتم احترام سمات أخرى غير المظهر والمبايض؟ هل ستبدأ امرأة المسافات الطويلة وبعمر طويل ولديها خبرات وحكمة هائلة أن تمثل شيئا له أهميته مرة أخرى؟
إن الفقر ونقص التعليم وضعف الاستثمار في الصحة العامة والبنية التحتية الاجتماعية الحيوية للأندية والأنشطة والرعاية كلها عوامل تخطف أعمار الناس قبل الأوان. لكن واحدة من أطول الدراسات حول التنمية البشرية للذكور، والتي بدأت في عام 1938، تجلب سببا للأمل لأولئك الذين ربما لا يزال أمامهم عقودا من العيش أمامهم. كانت العلاقات الوثيقة، أكثر من الشهرة والنجاح والطبقة الاجتماعية ومعدل الذكاء والجينات والدخل، تنبئ بشكل أفضل بحياة طويلة وسعيدة.
إن جواز السفر إلى طول العمر الصحي، وفقا للدراسة، هو الابتعاد عن الخمر والتبغ، وممارسة التفاؤل والتعاطف، وتأخير الإشباع، والبحث عن الجانب الممتع من الحياة، ومواصلة التعلم، كما تنصح ماريا برانياس، المرأة الأطول عمرا في العالم. يعرف معظمنا هذه الصيغة: تكمن المشكلة في تطبيقها عندما تكون فواتير الشهر المقبل هي مصدر القلق الأكثر إلحاحا.
إن الوقت من ذهب، ومن عجيب المفارقات أن الوقت يقف إلى جانب كبار السن، لأنهم يملكون منه الكثير، بعد أن تحرروا من العمل، وتربية الأطفال، والرعاية، والألعاب. الذكور والاناث، ربما يقدرون عندما يقتربون كثيرا من الموت ما يستحق تقييمه حقا في الحياة.
صحيفة الغارديان البريطانية