سيف ضياء
بدايةً، يجب الإشارة إلى إعلان المؤسس والعقل المدبّر لما يُعرف بدولة الكيان الصهيوني في فلسطين، ديفيد بن غوريون، الذي كان أول رئيس وزراء لهذه الدولة المزعومة، اذ أعلن بن غوريون عن خارطة طريق مستدامة تتضمن مجموعة من السياسات العامة التي يجب اتباعها ليس فقط من قِبَله كرئيس وزراء، ولكن أيضًا من قِبَل جميع رؤساء الوزراء اللاحقين، قائلاً: «يجب استخدام الإرهاب والاغتيال والترهيب ومصادرة الأراضي وقطع جميع الخدمات الاجتماعية لتخليص الجليل من سكانها العرب، ولا بدَّ من بذل كل جهد والتضحية بأيِّ شيء لضمان عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين، فعرب أرض إسرائيل ليس لهم سوى وظيفة واحدة فقط وهي الهروب»، ومن هذا المنطلق فإننا في هذا المقال، سنعتمد على منهج الحفريات التاريخي لاستكشاف المفاهيم والأهداف والسياسات التي اتبعتها الصهيونيّة لتحقيق هذا الهدف، ونسلط الضوء على الممارسات القاسية التي ينتهجها الكيان الصهيوني في فلسطين، وبشكل خاص في قطاع غزة الصمود، من مذابح صهيونية وتدمير للبنية التحتية وقتل الأطفال والنساء والشيوخ والعزّل جراء القصف الوحشي لاكثر من شهر تقريبا…
لا بدَّ من التأكيد على أن تاريخ الصهيونيّة الحديثة يتمحور حول استراتيجية إنشاء كيان سياسي (دولة)، وتنفيذ خطة عمل محددة تمثل خارطة طريق لكل صنّاع القرار فيها لتنفيذ هذا الهدف، اذ سعت الحركة الصهيونية منذ تأسيسها قبل عقود على يد الكاتب والصحفي السويسري «تيودور هرتزل»، والذي يُعد أبًا روحيًّا للحركة الصهيونية ومؤلف مشروع الدولة اليهوديّة الذي تحدث عنه بتفصيل في كتابه الذي صدر عام 1896 بعنوان «الدولة اليهودية»، قدّم
هرتزل في كتابه أفكارًا عملية وفعالة تسهم في نجاح المشروع فيما بعد، اذ كان مشروعًا مفصّلاً لإقامة دولة يهودية تكون مأوى آمنًا للشعب اليهودي وتضع حدًا لحالة التشتت التي عاناها اليهود لعدة قرون، وتمكّنهم من العودة إلى أرضهم الموعودة في فلسطين، وفقًا للمعتقدات التلمودية، استقطبت الحركة اهتمامًا سياسيًا وإعلاميًا كبيرًا في أوروبا والعالم، بعد انعقاد المؤتمر الأول للحركة الصهيونية في مدينة بازل السويسرية في الفترة من 29 إلى 31 اب /أغسطس 1897، اختتم المؤتمر أعماله بإعلان تأسيس الحركة الصهيونية العالمية وانتخاب
لجنة تنفيذية لها، كما وتم اختيار فيينا كمقر لها، وتم تعزيز هذه المؤسسات بإنشاء الصندوق اليهودي للدعم المادي، والذي تأسس وفقًا لقرارات المؤتمر الخامس في عام 1901، لدعم الأفكار حول الاستيطان اليهود في فلسطين وتعبئة الدعم للقضية اليهودية عبر العالم، وتجنيد الأوساط اليهودية لدعم فكرة الدولة اليهودية التي لم تكن ذات أهمية لدى الفئات الواسعة من اليهود، وبدءًا منذ ذلك التاريخ، مرورا بوعد بلفور المشؤوم عام 1917، والذي «وُعِد فيه
شخص لا يمتلك بمنح شخص لا يستحق» ، وصولًا إلى ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لما يُعرف بدولة الكيان الصهيوني على ارض فلسطين، حيث تم تجسيد خارطة الطريق بكل وحشية، ليختتم بمشهد دمار شامل في غزة اشبه بالدمار الذي شهدته أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، اذ بعد مرور قرابة شهرين من بداية المذابح الصهيونية واستمرار التجاوزات الوحشية
من دون تدخل دولي فعال لمنع انتهاك حقوق الإنسان، رغم وجود المنظمات العالمية لحقوق الإنسان، إلا أن الابادة الجماعية والوحشية التي يمارسها هذا الكيان الغاصب كشفت عن خلل في قيم المجتمع الدولي في التعامل مع الأزمات الإنسانية، حتى الآن بلغ عدد الشهداء نحو 10500 شخص، ويعد الأطفال والنساء
والشيوخ العزل الأكثر تضررًا، فضلا عن ذلك، هناك نحو 28000 جريح و2550 مفقودا، بما في ذلك 1400 طفل دُفِنَوا وهم أحياء تحت
الأنقاض.