مَنـطـق (السـتـر.. أولاً)

الرياضة 2023/11/20
...

علي رياح



افتقر إلى أي إحصائية تنطوي على كثير أو قليل من الدقّة عن أكثر المدافعين العراقيين إحرازاً للأهداف. هذه الإحصائية تُعدّ ضرباً من الخيال في الموروث الكروي العراقي الذي لم يتفق حتى الساعة على (الحقائق) الراسخة، فكيف يمكن أن نجد إجابة لسؤال يتعلق بجدول صريح يتحدث عن مدافعينا الهدّافين سواءً على المستوى المحلي أو الدولي.

كنت أُسائِل نفسي ثم أخوض عميقاً في صور عالقة في الذاكرة لا أكثر ربما تحمل شيئاً من الإجابة، ولكنني كنت أعجز في كل مرة، ربما لأن المدافع العراقي بقي على امتداد عقود طويلة رهينة لمنطق (السِتر أولاً)، فالأولوية دوماً للوظيفة التقليدية المناطة به وهي الحيلولة دون أن يُحرز الفريق الغريم هدفاً، ولم يكن في وارد تفكيره ضمن سياق النمط المتّبع أن يكون هو المبادر إلى إيجاد رصيد له من الأهداف يمكن أن يخلد في الذاكرة، بينما تنصرف أنظارنا نحو المهاجمين بالدرجة الأساس ثم لاعبي الوسط بقدر أدنى، ولا نملك – نحن العراقيين – حتى لهؤلاء أرقاماً حاسمة جازمة لا يرقى إليها الشك.

في السياق ذاته، وجدتُ في موقع إسباني متخصص في كرة القدم (فوتبول ريترو) إحصائية فريدة عن أبرز المدافعين – الهدافين على امتداد التاريخ. أخذتني الأرقام واستوقفتني الحرفية في رصد التفاصيل وإلى الحد الذي كدّتُ أشكّك فيها، فالمدافع الهولندي الشهير رونالد كومان الذي تألق في أندية عالمية كبرى أهمّها برشلونة، يتصدر القائمة (253) هدفاً. يا إلهي! ربما عجز بعض من أمهر المهاجمين العراقيين عن بلوغ هذا الرقم حتى لو كانت مهمتهم اقتناص أي فرصة قريباً من المرمى أو داخل منطقة الجزاء أو في محاذاتها، فيما يصل المدافع الهولندي العملاق إلى هذه الحصيلة التي جاء معظمها من قذائف كالحِمم كان يُطلقها من خارج منطقة الجزاء! بعد كويمان، يأتي وبفارق كبير من الأهداف المدافع الأرجنتيني الشهير دانييل باساريللا الذي قاد بلاده للفوز بمونديال 1978 وفي رصيده 175 هدفاً.. وتقول دراسة في هذا الخصوص إن نصف أهداف باساريللا جاءت من كرات رأسية لدى تنفيذ الركلات الركنية أو الركلات الحرة الجانبية! تمضي الإحصائية إلى أسماء وتفصيلات عن نجوم كبار عرفناهم مدافعين ولم نعهد أن بنوك الأهداف تدّخر لهم مثل هذه الأرصدة.. إنهم (على ذمة الموقع) يظهرون في اللائحة بشكل تنازلي: الإسباني فيرناندو هييرو (163 هدفاً)، الفرنسي لوران بلان (152 هدفاً)، الألماني بول برايتنر (131 هدفاً)، الإسكتلندي غراهام ألكسندر (129 هدفاً)، الإسباني سيرخيو راموس (126 هدفاً)، البرازيلي روبيرتو كارلوس (122 هدفاً)، الألماني فرانتز بكنباور (120 هدفاً)، الياباني ماركوس تاناكا (114 هدفاً)، ثم تطول اللائحة تنازلياً لنجد فيها لاعبين مدافعين نجوماً وآخرين أقلّ شهرة ليس بينهم لاعب عراقي أو عربي واحد!! في العراق، تبدو صورة المدافع نمطية صِرفة وفقاً لتنشئة اللاعب وأفكار المدربين. حتى المدربون الأجانب الذين عملوا مع أنديتنا ومنتخباتنا لم يقدموا لنا في أساليبهم أدواراً تهديفية للمدافعين، وهذه حقيقة ينبغي الاعتراف بها. وأجزم بأن واحداً من الأسئلة الشائكة التي تواجه المختص وغير المختص في شؤون الكرة لدينا أن يحدد لائحة فيها ولو قدر كاف من الموثوقية عن مدافعينا – الهدافين وإسهاماتهم على هذا الصعيد بعيداً عن نصف الملعب العائد لهم.