أمّا بعد.. فالغاية هي قناة بن غوريون

آراء 2023/11/21
...

سناء الوادي

هدف المحتلين لم يقتصر يوماً في فلسطين العربية على إيجاد وطن قومي لليهود يجمع شتاتهم من شتى بقاع الأرض فحسب وإنما استغلال هذا الموقع الجيوستراتيجي بالوسائل الممكنة كافة، فزرع الكيان الغاصب في الخاصرة العربية ليكون القاعدة العسكرية والاقتصادية المخلصة للغرب والسكين التي يضعونها على رقاب دول المنطقة إذا ما قرروا يوماً التمرد على هيمنتهم وعجرفتهم، فمنذ أن فشل العدوان الثلاثي على سوريا ومصر عام 1956م

وما أعقبها من تأميم الرئيس جمال عبد الناصر لقناة السويس «القناة المائية الأهم في العالم»، والتي تسيطر على 20 % من التجارة الملاحية للعالم أجمع بين قاراته الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، كانت تلك الضربة القاسمة التي كسرت ظهر المطامع الغربية والأمريكية في الاستيلاء على هذا الممر، وعلى الفور بدأت الخطط الشيطانية لإيجاد البديل على الرأس الآخر من ذيل البحر الأحمر ألا وهو خليج العقبة وفي ذلك إفشال لوجود مصر كقوة عربية ذات مكانة سياسية واقتصادية واستبدال ذلك لطفلتهم المدلّلة إسرائيل.
فقد كشفت مذكرة أمريكية تم رفع السريّة عنها عام 1996م تعود لستينات القرن الماضي عن إمكانية استخدام المتفجرات النووية بتعداد خمسمئة وعشرين قنبلة لحفر قناة بطول 260 كم تمتد من ميناء إيلات على البحر الأحمر إلى البحر المتوسط وبالطبع تمت تسميتها على اسم الأب المؤسس لكيان الاحتلال وأول رئيس وزراء له «ديفيد بن غوريون» تتميز هذه القناة عن نظيرتها السويس وفقاً للخريطة المرفقة بالمذكرة بأنّها عبارة عن خط مرور باتجاهين ذهابا وإيابا، ناهيك عن كونها أعمق وأعرض منها، إلا أنّه مع ذلك لم يكن ذلك بالأمر الهيّن فالطبيعة الطبوغرافية للمنطقة تفرض وجود تضاريس متنوعة فضلاً عن أخدود البحر الميت في الأردن الملاصق لحدود الأراضي الفلسطينية المحتلة هذا ما أبقى المشروع حبيس الرفوف والنوايا يظهر للعلن كلما أتيحت الفرصة لذلك.
هذا ومن غير الممكن تنفيذ هكذا مشروع على أرض الواقع من دون أمرين سعت جاهدةً لهما إسرائيل، الأول إنهاء القضية الفلسطينية شيئاً فشيئاً بعدّة طرق تبدأ بإبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه وإنهاك قوى المقاومة الإقليمية المساندة له والثاني إبرام معاهدات السلام الاقتصادي والسياسي مع الدول العربية التي تجنح لذلك، ناهيك عن المشاريع الخاصة بشركة السكك الحديدية الإسرائيلية والتي تزعم إتمام تنفيذها عام 2040م حيث ستمد شبكات السكك الحديدية العملاقة وستدخل القطارات عالية السرعة علّها ستكون محطة من محطات طريق الحرير الصيني، فضلاً عن اعتبارها الجزء المهم من الممر العظيم الذي أُعلن عنه بعد قمة العشرين الأخيرة الممتد من الهند مروراً بدول الخليج فإلى إسرائيل ثم المتوسط
فأوروبا.
كانت السعادة الغامرة على محيّا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ظاهرة للعيان حين الإعلان عن ذلك المشروع الذي سيجعل من دولته الغاصبة مركزاً جيوسياسيا للشرق للأوسط، ففي الحقيقة هذا ما باتت تسعى له وبقوة خاصة في السنوات التالية للربيع العربي الذي أزاح دولاً محوريّة في المنطقة من قائمة التهديدات للوجود الإسرائيلي.
وضمن هذا السياق تجدد الحديث عن قناة بن غوريون بعد أن علقت سفينة «إيفرغيفن» في قناة السويس عام 2021م عند انحراف مسارها جرّاء عاصفة رمليَّة مما تسبب بإغلاق القناة ستة أيام ما يعني تعطل الملاحة البحرية العالمية، وبعد هذه الحادثة أعرب البنتاغون عن قلقه من إمكانية عرقلة وصول السفن العسكرية الأمريكية إلى إسرائيل، حتى أن العديد من المحللين السياسيين  أثاروا التساؤلات حول اعتراف مصر بعد الأخذ والشد لمدة طويلة بوضع جزيرتي تيران وصنافير تحت السيادة السعودية، وما أعقب ذلك من الحديث مليّاً عن التطبيع السعودي - الإسرائيلي، فالبعض ربط التطبيع بين الأخيرتين بآمالهما المستقبلية بالمستقبل الاقتصادي الذي تطمح له كلتاهما.
والسؤال الأهم المطروح الآن.. هل مهدت أحداث غزة الجارية الطريق أمام قناة بن غوريون واختصرت طريق مرورها للبحر المتوسط فأصبح من الأسهل والأسرع أن تخترق أراضي قطاع غزة بدلاً من الالتفاف فوقه، وهل هذا يفسر القصف المدمر والوحشي للبنية التحتية للقطاع لفرض التهجير الطوعي لأبنائه بسبب استحالة الحياة فيه حيث أنه من المستبعد إتمام مشروع القناة ليخدم الوجود الفلسطيني ومن دون السيطرة الإسرائيلية لتأمينه من جهة وإقامة المشروعات الحيوية على جانبي المشروع من جهةٍ أخرى، ولربما أيضاً يفسّر ذلك عدم استجابة الحكومة الصهيونية للضغوط الغربية بوقف الإبادة الجماعية التي تقوم بها، وعلى الأغلب فإن ذلك يتم بمباركة غربية أمريكية ضمنية خدمة لمصالحهم في الشرق الأوسط.

كاتبة سورية