أميركا وإسرائيل: جذور العلاقة

آراء 2023/11/21
...

سالم مشكور

كشف استطلاع نُشرت نتائجه مؤخراً أن 69 بالمئة من الاميركيين باتوا يتعاطفون مع الفلسطينيين خصوصا في غزة رافضين السياسة الإسرائيلية ضدهم. بينما كانت نتيجة استطلاع سابق أجري في شباط الماضي أن 75 بالمئة من الاميركيين يدعمون إسرائيل.
هذه النسبة كانت متطابقة مع الموقف الرسمي الأميركي الداعم لإسرائيل سياسياً وأمنياً ومالياً. الدعم الرسمي مستمر بوتيرة أعلى لكن الدعم الشعبي تراجع بشكل كبير كما مبين أعلاه. في الكونغرس هناك 1 بالمئة من الأعضاء يؤيدون الدعوة إلى وقف الحرب في غزة فيما الرئيس الاميركي جون بايدن يطلق العنان لدعم غير محدود وتأييد تام لممارسات إسرائيل ضد المدنيين واصفاً ذلك بالدفاع عن النفس.
موقف فاجأ حتى المسؤولين الإسرائيليين الذين أبدوا استغرابهم حياله ووصفه نتنياهو بغير المسبوق.
بايدن ومن خلفه الحزب الديمقراطي، طامع في دعم اللوبي الصهيوني الأميركي وهو على اعتاب عام الانتخابات، لكنه يحاول الان اظهار بعض التراجع، بالحديث عن مأساة المدنيين في غزة، بفعل الضغط الشعبي الذي جاء نتيجة انتشار بشاعة الاجرام الذي يمارس بحق المدنيين والذي قلب الرأي العام الأميركي، في غالبيته، إلى الضد من إسرائيل.
أيضا، ربما يعود التغيّر الطفيف في موقف بايدن إلى ما أخبره مستشاروه من أن بعض الاستطلاعات كشفت عن ارتياح اليهود الاميركيين المؤيدين لإسرائيل، لكنها لن تترجم إلى أصوات انتخابية منهم، والتي تذهب تقليديا إلى الجمهوريين.
صحيح أن بريطانيا هي التي زرعت إسرائيل في المنطقة عندما منحت فلسطين إلى الحركة الصهيونية في وعد بلفور عام 2017، وسهلت دخول العصابات الصهيونية اليها، الا أن الولايات المتحدة كانت أول دولة تعترف بإسرائيل كدولة مستقلة في 14 مايو 1948 في عهد الرئيس هاري ترومان.
بعدها تمّ اعتماد أوراق السفير الأمريكي في إسرائيل جيمس غروفر ماكدونالد في 28 مارس 1949.
ومنذ ذلك الوقت والدعم الأميركي لإسرائيل بات بلا حدود وكان غطاء لكل انتهاكاتها وازدرائها للقرارات الدولية، والممارسات التوسعية. بات هذا الكيان ركيزة للمصالح الأميركية في المنطقة، ولهذا قال بايدن مؤخراً إنه اذا لم تكن هناك إسرائيل لكان على الولايات المتحدة أن توجد إسرائيل في المنطقة.
كانت الولايات المتحدة بدأت الحلول محل بريطانيا في الهيمنة على المنطقة، وكان أمامها العدو السوفيتي منافساً على النفوذ، مما خلق حاجة أميركية لحليف استراتيجي لها في المنطقة.
فكانت إسرائيل هي الحليف، وكانت وشائج البروتستانت الاميركيين الدينية مع الحركة الصهيونية عامل تمتين لهذه العلاقة، تلك الوشائج التي تبلورت بظهور مسيحية صهيونية قررت إيجاد آليّات عمل وتعاون مع إسرائيل وخلق سياسة أميركية داعمة بعمق لهذا الكيان.
يقوم الحلف البروتستانتي- الصهيوني على ثلاثة ركائز هي تبني فكرة ظهور المسيح بقيام دولة لليهود في فلسطين وان اليهود شعب الله المختار وان فلسطين تمثل وعداً إلهيّاً لليهود.
هكذا تشكل اللوبي الصهيوني اليهودي وبات ضاغطاً بشدة على مؤسسات الحكم في اميركا لا سيما الكونغرس مستخدماً أموال اثرياء اليهود في دعم الحملات الانتخابية لمرشحي الكونغرس والرئاسة.
سيطر اللوبي على الاقتصاد والاعلام وسخّر كل الإمكانات لدعم إسرائيل عسكرياً واقتصادياً، وخَلَقَ رأيا عاما أميركيا مؤيدا وداعما لها من خلال الاعلام المهيمن على وعي الشارع.
لكن هذا الاعلام لم يستطع هذه المرة حجب الحقائق وتزييفها، فالمشاهد المروعة لجثث الأطفال والنساء والقصف الوحشي للمناطق السكنية حجبتها وسائل الاعلام التقليدي الأميركية لكنها انتشرت عبر وسائل الاعلام الجديد الذي عجزت عمليات الحجب عبر الخوارزميات المعقدة عن منع وصول الحقيقة، فكانت صادمة للاميركيين الذين شعروا أنّهم كانوا مستغفلين طوال عقود.
وعي الشارع الأميركي وقدرته على الضغط والتأثير على السياسات الأميركية ولو على مديات زمنية طويلة، يتطلب من العرب والمسلمين تنشيط الأدوات الاتصالية الحديثة نحو شعوب العالم ومخاطبتهم بلغة الإنسانية التي تجمع البشر بهوياتهم وانتماءاتهم كافة.