«تفاحٌ جديدٌ» يتحمّل الطقسَ القاسي

علوم وتكنلوجيا 2023/11/21
...

 لورا رايلي
 ترجمة: بهاء سلمان

«شروق الشمس السحري»، و»الذهب القرمزي»، و»مجد الخريف»، هذه كلها أسماءٌ لأنواع التفاح التي تضعنا في الروح الموسميَّة، وتجعلنا نفكّر في تكرار احتساء شراب التفاح، أو تناول حلويات الأطباق العميقة أو قطعة مقرمشة مدسوسة تحت طبقة من الكراميل اللزج.

موجات الحر والإضرار بالمحاصيل
ولكنْ كل شيء ليس على ما يرام في أرض ثاني أكثر الفاكهة شعبيَّة في أميركا، إذ يتصدر الموز قائمة الأفضل إقبالاً بين المستهلكين. ومن المتوقع أنْ ينّخفض إنتاج التفاح العالمي بنسبة 5 % تقريباً هذا العام؛ كما يتجه الإنتاج الأميركي نحو الانخفاض، إذ سجل موسم الحصاد الأخير أدنى مستوياته منذ العام 2013. ويعود الأمر إلى حدٍ كبيرٍ إلى الطقس، إذ ألحقت موجات الحر أضراراً بالمحاصيل من ولاية واشنطن إلى الصين في السنوات الأخيرة، في حين أدت العواصف إلى تقليص ما تنتجه نيوزيلندا من هذه الفاكهة الرائعة. لكنَّ الأمر لا يقتصر على الطقس فحسب، فنقص العمالة، وارتفاع تكاليف الوقود والآلات، والمرض البكتيري المدمر الذي يسمى «اللفحة الناريَّة»، كلها عوامل تؤثر في الإنتاج أيضاً.
هناك نوعان جديدان من التفاح، أحدهما أحمر والآخر أصفر، تمَّ تطويرهما في جامعة ميريلاند على يد الباحث «كريس والش»، وقد يحلان بعض هذه المشكلات. في الوقت الحالي، يطلق عليهما اسم MD-(TAP1) على التفاح الأصفر، و(MD-TAP2) على التفاح الأحمر، وهو بعيدٌ كل البعد عن نوعي الهش الكوني والسيّدة الورديَّة الحلو المذاق. سوف يتغيّر ذلك عندما يقوم مشتلٌ تجاريٌ بترخيص الأشجار وإعادة تسميتها بشيء أكثر حلاوة وسرعة ويبدأ في بيع الأشجار مباشرة إلى المزارعين. ولا يعرف على وجه التحديد متى سيجد المستهلكون هذه الأصناف الجديدة في متاجر البقالة المحليَّة، لكنَّ والش يقول إنَّ البستان الخاص بالباحثين سينتجها لمحصولك الخاص وأسواق المزارعين المحليين في ولاية ماريلاند بحلول شهر أيلول 2026.

مجابهة الظروف الجويَّة
كان لدى والش هدفٌ طموحٌ: تطوير تفاح يتحمّل الحرارة، ولكنْ أيضاً مقاوم لآفة الحرائق، وعلى أشجار قصيرة بما يكفي لتقليمها أو حصادها من الأرض بسهولة. بدأ الأمر بصفين متعامدين بسيطين، كما يصف والش التفاح الذي يزرعه في بستانٍ تابعٍ لمركز الأبحاث والتعليم بغرب ميريلاند بمنطقة كيديسفيل، الواقعة ضمن ولاية ميريلاند.
«كنا نبحث عن صنفٍ ينضج في الطقس الحار ولا يتحوّل إلى عصيدة. وهناك الكثير من الأصناف تصبح خضراءً في يومٍ ما وتسقط على الأرض في اليوم التالي. أما غوناغولد، فهو صنفٌ شماليٌّ رائع، عندما تزرعه هنا، فسيعطي نتائج باهرة، وتراه ينتشر على الأرض،» كما يوضح والش. ويقول إنَّ الأصل البذري للتفاحة الصفراء هو نوع غولدراش (GoldRush)، وبالنسبة للتفاحة الحمراء فالأصل البذري هو نوع فوجي (Fuji). كان أول صفين متعامدين له هو من نوع دوارف مكنتوش مع نوع اسمه غالا. أدى ذلك إلى إنتاج الأشجار الأجداد في العام 1991، والتي أطلقوا عليها اسم (كومباكت غالا ماكس). وقد تمَّ استخدام هؤلاء بدورهم كآباءٍ مع غولدراش وفوجي لإنشاء أشجار الجيل الثاني وهذا التفاح الجديد. إنَّ (MD-TAP1) كبير الحجم وشكله وطعمه معتدل وناضج، مثل نوع غولدن ديليشيس (Golden Delicious)، مع الفاكهة التي تنضج في أواخر أيلول. أما نوع (MD-TAP2) فهو حلو المذاق، مع حموضة منخفضة، مثل فوجي، وينضج لاحقاً في شهر تشرين الأول. ويأمل والش أنْ تنمو هاتان التفاحتان الحاصلتان على براءة اختراع بنجاحٍ في عالمٍ أكثر حرارة وجفافاً، الأمر الذي يفسحُ المجالَ لتجاوز هيمنة نوع غالا، التي تمثل 18 بالمئة من مجمل الإنتاج الأميركي، ونوع ريد ديليشيس، الذي ينتج 14 بالمئة، وفوجي بنسبة 10 %. بدأ والش، الذي يعمل في مجال التفاح منذ خمسة عقود، “برنامج هندسة الأشجار” حينما كان طالباً جامعياً، بغية إيجاد أصنافٍ جديدة من التفاح لحل المشكلات المحليَّة الناشئة، لكنَّه أدرك بسرعة أنَّه كان يطور حلولاً للمشكلات على المستوى الوطني وحتى العالمي.

تقليل التكاليف
ولطالما كانت الفاكهة تتطلبُ عمالة كثيرة لجلبها إلى السوق، إذ تحتاج الأشجار إلى التدريب والتقليم والحصاد يدوياً. ومع نقص العمالة في جميع قطاعات الزراعة، كانت زراعة التفاح من بين الأكثر تضرراً، مع ارتفاع تكاليف العمالة بشكلٍ حاد. ووفقاً ليو أس أبل، وهي جمعيَّة صناعة التفاح غير الربحيَّة، أصبح العثور على العمالة أكثر صعوبة أيضاً، فمن العام 2016 إلى العام 2021، انخفض متوسط التوظيف السنوي في إنتاج المحاصيل بنسبة 3 بالمئة بشكلٍ عام، ولكنْ في بساتين التفاح، بلغ الانخفاض 22 بالمئة.
وبحسب والش، فإنَّ هذين النوعين الجديدين ينموان إلى أشجار أقصر بكثير، ما يجعل حصادهما أسهل، ويتطلبان تقليماً وعمالة يدويَّة أقل بكثيرٍ من التفاح الآخر. ومن الصعب التنبؤ بما إذا كان TAP1 وTAP2 سيجدان طريقهما إلى الأضواء، ما سيؤدي إلى قلب عربة التفاح مرة أخرى.

صحيفة واشنطن بوست الاميركيَّة