ميادة سفر
في كلِّ الحروب والنزاعات المسلحة يدفع الأطفال الثمن الأكبر، فهم أولاً عرضة للقتل والاصابة التي يمكن أن تؤدي إلى العجز الجسدي لعدم قدرتهم على المواجهة أو الهرب، وثانياً لأنّهم الأكثر عرضة للآثار النفسية التي ترافقهم طيلة حياتهم، وأطفال فلسطين ومنذ أكثر من سبعين عاماً وهم على موعد دائم مع المعاناة بأشكال مختلفة، وحيدون في عالم من القسوة والحرمان، يواجهون إبادة جماعيّة كل يوم.
منذ قيامها لو تتوانى إسرائيل عن قتل كل ما يقع على مرمى نيران جنودها، وفي كل حرب ومعركة وهجوم كان الأطفال الطرف الأضعف الذي يدفع ثمن حرب الكبار، قتلوا وشردوا وهدمت منازلهم ومدارسهم وفقدوا ذويهم، حُرِمَ من بقيَ منهم على قيد الحياة من الطعام والماء ومن أبسط حق من حقوق الطفولة التي شرعتها القوانين والأنظمة الدولية التي تدعي حمايتهم، لكنها بقيت صامتة أو تكاد أمام كل ما يرتكب من قبل إسرائيل في كل حروبها في المنطقة العربية، فما زالت مجزرة «قانا» في لبنان ماثلة أمامنا، واليوم يقتل أطفال غزة بدم بارد، والمجتمع الدولي يشرع حق إسرائيل بكل ما تقوم به، ضارباً عرض الحائط بكل ما هو إنساني وأخلاقي، في تواطؤ واضح وفاضح من قبل الكثير من الدول، بينما يواجه الأطفال وحشية دولية منتظرين غداً مجهولاً.
أكثر من خمسة آلاف فلسطيني قتلوا منذ السابع من تشرين الأول الماضي حين بدأت إسرائيل حربها على قطاع غزة، بينما ينتظر آلاف غيرهم موتاً محتماً في ظل الظروف والأوضاع الإنسانية التي يعيشونها وتفرض عليهم، وتصمت أو تكاد منظمات رعاية الطفولة والمجتمع الدولي الذي اعتدنا عليه يكيل بمكيالين في كل ما يخص قضايا العالم، فتثور ثائرته لجرح طفل في بلد لا يتلاءم مع أهوائه السياسية ولا يتناغم مع قضاياه، بينما يسكت هذا المجتمع الدولي أمام قتل وتشريد الآلاف في بلاد أخرى وفي مقدمتها فلسطين، حين يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل تعيث إرهاباً بحق شعب بأكمله.
منذ عقود قطع زعماء العالم عهداً على أنفسهم أن يصونوا الطفولة ويحموا حقوق الأطفال في العالم، من خلال المصادقة على اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الأمم المتحدة، غير أن تلك الاتفاقية والتعهدات على أهميتها، لم تتمكن من درء الخطر المحدق بالأطفال، ولا من تحييدهم في النزاعات، ولا هي أمنت لهم مستقبلاً مشرقاً أو على الأقل حلماً به، ويغدو الواقع أشدّ بؤساً في فلسطين التي يحرم أطفالها من كل حقوقهم التي أقرتها القوانين والشرائع والإنسانية، وتقف المنظمات الأممية عاجزة حتى عن إدخال الطعام والدواء لآلاف الأطفال في غزة.
لطالما اعتقدت إسرائيل ومن يدعمها أنّها بممارساتها الإرهابية يمكن أن تقتل الحق الذي يؤمن به الشعب الفلسطيني، وتنهي قضيتهم بقتل أطفالهم أو تشريدهم أو إرهابهم، إلا أن الطفل الفلسطيني سجل عبر التاريخ الكثير من المواقف التي عجز عنها الكبار، وانخرط في النضال إلى جانب الشباب والرجال، وانتزع لنفسه مكاناً مرموقاً في العالم لا يمكن تجاهله أطلق عليه «أطفال الحجارة» حين واجه الدبابات الإسرائيلية بالحجارة في كانون الأول 1987، متحدياً الجنود الصهاينة بحجارة في يدٍ، وفي اليد الأخرى رافعاً علم بلاده تعبيراً عن التشبّث بالحق والأرض ورفضه للظلم والقهر، وعلى الرغم من كل ما تقوم به إسرائيل من إبادة لأطفال فلسطين إلا أن طفلاً واحداً يبقى «سيملأ الأرض سنابل».