أ.د. جاسم يونس الحريري
ظهر مصطلح (genocide) أو كما يتداول باللغة العربية {الإبادة الجماعيَّة}، عام 1944، أي خلال الحرب العالمية الثانية، والإبادة الجماعيَّة هي (التدمير المتعمد والمنهجي لمجموعة من الناس بسبب عرقهم أو جنسيتهم أو دينهم أو أصلهم). وتمت صياغة هذا المصطلح في الاربعينيات من القرن العشرين بواسطة المحامي البولندي المولد (رافائيل ليمكن). الفظائع التي ارتكبت أثناء محاولات الإبادة لطوائف وشعوب على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو سياسي، صنفت كـجريمة دوليّة في اتفاقية وافقت الأمم المتحدة عليها بالإجماع سنة 1948م، ووضعت موضع التنفيذ 1951م، بعد أن صادقت عليها عشرون دولة.
حتى الآن صادقت 133 دولة على الاتفاقية من بينها الاتحاد السوفياتي 1954م، والولايات المتحدة الامريكية عام 1988م.
من الدول العربية التي صادقت عليها المملكة العربية السعودية ومصر والعراق والأردن والكويت وليبيا والمغرب وسوريا وتونس.
ولم تصادق 50 دولة بينها قطر والإمارات العربية المتحدة وعمان وموريتانيا وتشاد. في هذه الاتفاقية، بِمُوجِب المادة الثانية، تعني الإبادة الجماعيّة أيَّاً من الأفعال التالية، المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قوميَّة أو اثنيَّة أو عنصريَّة أو دينيَّة، بصفتها هذه:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
(ج) إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا.
(د) فرض تدابير تستهدف الحؤول من دون انجاب الأطفال داخل الجماعة.
(هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
كان التاريخ الإنساني مليئا بالمجازر التي ارتكبت من قبل الدول على المستويين الداخلي ضد شعوبها والخارجي ضد الشعوب الأخرى.
ورغم كثرة مجازر الإبادة الجماعيّة إلّا أنّه لم يُشر إلّا إلى تلك التي حدثت في القرن العشرين. وبذل المجتمع الدولي محاولات لتطوير القانون الدولي وخاصة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وكان تركيزه على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة. لذلك ليس مصطلح الإبادة مصطلحا وصفيا فحسب بل مصطلح قانوني اليوم. على هذا الأساس لا يعني المصطلح مجازر ضد المدنيين بشكل عام بل الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة. ولما كانت هذه الإبادة من الجرائم الدولية التي لا يسري عليها التقادم، فمن باب أولى أن لا يسري على ذكرها التقادم أيضا. إنَّ ما يجري في غزة منذ السابع من تشرين الاول 2023 من جرائم بشعة للاحتلال الاسرائيلي بحق أبناء ونساء والشيوخ في قطاع غزة وبدء العملية البطوليّة لطوفان الاقصى هو حرب إبادة جماعيّة بكل معنى الكلمة وكما يقول مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، (فولكر تورك)، أن “العقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل على المدنيين الفلسطينيين يرقى هو أيضا إلى جريمة حرب، مثله مثل الإخلاء القسري غير القانوني للمدنيين”. وقال: “لقد سقطنا في الهاوية. ولا يمكن لهذا الوضع أن يستمر. حتى في سياق الاحتلال المستمر منذ 56 عاما، فإنّ الوضع الحالي هو الأكثر خطورة منذ عقود”، والسؤال الذي يفرض نفسه من سيوقف الإبادة الجماعيّة في غزة؟، الجواب عن ذلك هو حق الشعب العربي الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي الغاصب وينصّ القانون الدولي على أن المقاومة بجميع أشكالها حق مشروع للشعب الواقع تحت الاحتلال ويعترف بالمقاومة المسلّحة ضد قوة احتلال استعماريّة، وقد أُدرِجت حروب التحرير الوطني في البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949 كحقّ محمي وأساسي للشعوب الخاضعة للاحتلال في كل مكان.