بنك الجلد البشري

آراء 2023/11/23
...







 نرمين المفتي

استمرار جرائم الحرب والإبادة التي يرتكبها الكيان المتوحّش في غزة ضارباً بعرض الحائط جميع القوانين الدولية، وإصرار رئيس حكومته على عدم الاستماع إلى الإدانات الدوليّة والنداءات بالتوقف عن ارتكاب هذه الجرائم المروعة وخطف جثامين 130 شهيداً من مستشفى الشفاء، دفعا الشبكات الاخباريّة العربيّة وقنوات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى استذكار تقرير مثير كانت القناة العاشرة الصهيونية قد بثّته في اذار 2014 عن (بنك الجلد) الذي أسسه الكيان في 1985، برصيد 170 مترا مربعا ويفوق رصيد (بنك الجلد) الأمريكي الذي أنشئ قبله بأربعين سنة، فضلاً عن أنّ الكيان في المراتب الاولى عالمياً في تصدير الاعضاء البشريّة، علماً أنّه ثالث أقل «دولة» بالتبرّع بالأعضاء في العالم لأنَّ رجال الدين عندهم يحرّمون التبرّع بالأعضاء إلا فيما ندر، ولا ننسى الإشارة إلى نقطة مهمة أخرى وهي أن عدد نفوسه قليل جداً قياساً إلى الرصيد تصدير الأعضاء البشريّة والرصيد (الجلدي) والذي كان كما أسلفنا 170 مترا مربعا في 2014.  
أكاد أقول إنَّ التقرير قد مرَّ مرور الكرام في الإعلام العربي، وأنا بصدد كتابة هذا المقال، لم أجد سوى عدد اقل من اصابع اليد الواحدة قد أشار إلى التقرير في حينه، ولم أجد تصريحا أو بيانا صادرا عن السلطة الوطنية الفلسطينية سوى بعض التصريحات الصادرة عن منظمات مجتمع مدني فلسطينيّة، وكذلك لم أجد إشارات اليه سوى عدد محدود في الشبكات الغربيّة.
وفي السنوات الأخيرة، يعد الكيان من «الدول» المتقدمة تقريباً أيضا في عمليات زرع الأعضاء البشريّة!، كان التخطيط لبنك الجلد قد بدأ بعد حرب تشرين الاول/ اكتوبر 1973، بسبب أن اصابات غالبية الجنود الصهاينة كانت حروقاً واصبحت هناك حاجة ملحة للجلد البشري، وتأخر إنشاؤه حتى موافقة مجلس الحاخامات الرئيس بمشروعيته.
كانت الدكتورة، مئيرة فايس، المسؤولة السابقة في معهد الطب العدلي في الكيان، وهنا أنقل ما نشرته جريدة (العربي الجديد) حينها، قد قالت «لقد أجريت مقابلة مع مدير معهد الطب العدلي الذي سبق البروفيسور، يهودا هس، وقال، إنهم ضغطوا عليه كثيراً، لكي يوافق على أن يكون المعهد العدلي مصدراً لبنك الجلد الذي سيتم إنشاؤه، إلّا أنّه رفض، وقال لي، أن رفضه كان سبباً كافياً لإقالته، وقد وافق من جاء بعده في السنوات التي كنت أعمل فيها هناك، تم أخذ أعضاء من جثث، ونقلها إلى بنوك أعضاء متعددة.
وفضلا عن كل المهمات الملقاة على عاتق المعهد العدلي، فإنَّ المعهد يزوّد بنك الجلد الاسرائيلي بأعضاء بشريّة». وكانت فأيس قد أكدت أن البنك يتبع جيش الدفاع وبأنّهم لم يأخذوا أعضاء من الجنود، كانوا يأخذون من الآخرين. وفي فترات محددة تمَّ أخذ أعضاء من الفلسطينيين، ثم المهاجرين الجدد، ثمَّ من العمال الأجانب. وقتئذٍ، وصف مدير مؤسسة الحق الفلسطينية شعوان جبارين، شهادة فايس، بأنّها صادرة عن جهة رسميّة مختصّة ولا بدَّ من الانتباه اليها، وهنا اقتبس مرة أخرى، «يجب أن يُعد ملف على ضوء شهادة فايس، ودراسة الخيارات المتاحة للتحرّك سواء بالتوجه إلى محاكم دوليَّة أو وطنيَّة وان اعتراف فايس، شهادة واضحة يمكن أن تشكل أساساً من جهة لإدانة الجانب «الاسرائيلي»، ومن جهة أخرى للمطالبة بالحقوق الفلسطينية». الآن، فإن التوجه إلى المحاكم الدوليّة بهذه الجريمة أصبح أكثر إلحاحا خاصة خطف جثامين الشهداء الفلسطينيين، وإضافته إلى أدلة سابقة ومن بينها دفن من يستشهد من الأسرى «السجناء» الفلسطينيين من دون أسماء إنّما بأرقام وإبلاغ أهلهم بوفاتهم فقط والموافقة على زيارتهم للمقبرة التي يسمّيها الفلسطينيون (مقبرة الأرقام)، من دون أن يعرف الأهل أي قبر يعود إلى ابنهم، وحين تضطر سلطات الكيان إلى تسليم جثمان الشهيد الأسير إلى أهله، فالشروط أن يُدفن ليلا من دون فحص الجثمان وبوجود مسؤول استخباراتي.
ارتفع عدد الشهداء في غزة مع كتابة هذا المقال، اليوم 45 للحرب، إلى أكثر من 13 ألفاً، بينهم أكثر من 5 آلاف طفل و 5 آلاف امرأة، وأكثر من 29 ألف جريح، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، ونحو 8 آلاف مفقود مبلغ عنهم وهم في الحقيقة اما دفنوا كمجهولين أو شهداء ما تزال جثامينهم تحت الأنقاض وبينهم ايضا 5 آلاف طفل، أما سبب عدم دقة الاخبار، فهو قطع الاتصالات في غزة حيث لا تتمكن حتى فرق الإنقاذ والاسعاف من الاتصال مع بعضهم البعض واستمرار القصف الوحشي وحملة الابادة، وكل ما يجري يعد أدلة واضحة لجرائم الحرب، ولا بدَّ من خطوة فعّالة وسريعة لرفع دعاوى ضد الكيان في المحاكم الدوليّة.