حتى لا تكون الحكومة سمكاً مأكولاً مذموماً

آراء 2023/11/27
...

حمزة مصطفى

اِجتازت هذه الحكومة التي يترأسها المهندس محمد شياع السوداني عامها الأول وهي ماضية بخطى تبدو واثقة حتى الآن نحو عامها الثاني لغرض استكمال ما وعدت به عبر برنامجها الوزاري الذي صادق عليه اِئتلاف إدارة الدولة وصوّت عليه البرلمان بأغلبية مريحة.
هذه الحكومة هي السادسة في سلسلة حكومات ما بعد عام 2003.
من حيث المبدأ لا تختلف تقريبا عمّن سبقها من حكومات تقوم على مبدأ التوافق والمحاصصة معاً بنوع من التداخل بين المفهومين والمصطلحين.
مرة تغلب عليها المحاصصة الكليّة المريحة فتكون مرتاحة لجهة وجود تحالف كبير خلفها فتمضي لا تلوي على شيء نحو إكمال دورتها، ومن ثم محاولة البحث عن دورة ثانية وربما ثالثة، ومرة يغلب عليها توافق هش.
على صعيد المحاصصة المدعومة بتوافق كانت حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي اجتاز دورتين بنجاح وبحث عن الثالثة فلم يفلح.
الأمر تكرر مع الدكتور حيدر العبادي فسقط تحالفه بالانتخابات التي أجريت عام 2018 بالضربة القاضية مع أنّه كان منتشياً بلقب «بطل النصر» على داعش.
الحكومتان اللتان تلتا حكومة العبادي وهما حكومة عادل عبد المهدي التي أسقطتها تظاهرات تشرين وحكومة مصطفى الكاظمي التي جاءت لإكمال عدة حكومة عبد المهدي فأسقطت نصفها انتخابات 2021، فيما أسقطت نصفها الثاني التجاذبات السياسية الحادة بعد شد وجذب وتظاهرات واعتصامات وقتال دامٍ في المنطقة الخضراء.
جرى كل ذلك وسط توافق هش سقط هو الآخر.
على وقع كل هذه الوقائع جاءت حكومة السوداني لكي تضع حدّاً لهذا التناقض بين مفهومي التوافق مرة والمحاصصة مرة أخرى.
جاء تشكيلها قريباً من مبدأ التوافق المعمول به في الأنظمة الديمقراطية للبلدان التعددية عرقيا ودينيا ومذهبيا مع تشكيلة محاصصاتيّة تتوازن معها كتل مستقلة لا معارضة بالضرورة داخل البرلمان، ومعارضة قوية خارج البرلمان تتمثل بالصدريين والقوى المدنية مع أرجحية كبيرة للتيار الصدري الذي يتحسب الجميع لصمته الذي لم تكسره سوى تظاهرات حرق القرآن وطوفان الأقصى.
بعد أحداث غزة بدا أن الحكومة التي تريد أن تنفيذ برنامجا حكوميا طموحا مقبولا ومسنودا من معظم القوى السياسية باتت في وضع حرج لأكثر من سبب.
أولا هي ليست مسؤولة عن التواجد الأميركي في العراق، هي ورثته مثلما ورثت سواه من تركات.
ثانيا موقفها من غزة شهد له القاصي والداني حين ألقى رئيسها محمد شياع السوداني خطابه في قمة القاهرة رافعا إصبعه أمام الملوك والرؤساء العرب فيما بدا أنّها خطوة إبتعد فيها السوداني عن سياقات البروتوكول.
بدت لحظة السوداني تلك «ثوريَّة» متناغمة مع عواطف جيَّاشة في الشارع وقوى عراقية تريد أن تثأر لغزة.
حتى في سياق العلاقة مع الأميركان الموروثين منذ الاحتلال عام 2003 ولم يجلبهم السوداني كان خطابه قويا ومتماسكا من دون أن يفكر بدعوة إلى البيت الأبيض مثلما كان يفكر سواه.
وإذا اردت أن أضيف سببا ثالثا لحرج الحكومة التي أتمنى أن لا تحكمها لدى كل القوى السياسية نظرية السمك «المأكول المذموم» أن هناك نوعا من عدم الاهتمام أو المؤازرة لمواقف الحكومة المحكومة في النهاية بسياقات بروتوكولية على صعيد التعامل مع الدول الأخرى بما فيها الولايات المتحدة الأميركية بعيداً عن الرغبة لدى أطراف عراقية كثيرة، قسم منها مسلحة لإنهاء الوجود الأميركي في العراق.
المعروف أنَّ هذا الوجود مختلف عليه بين الجميع على صعيد التوصيف والتعريف. وهذا الأخير هو الآخر ليس مسؤولية الحكومة المحكومة بمبدأ التوافق مرة والمحاصصة مرة أخرى وسياق العلاقات بين الدول كبيرها وصغيرها عدوهاوصديقها.