محمد صالح صدقيان
كشفت المقالة التي كتبها الرئيس الامريكي جو بايدن في الواشنطن بوست عن حراك سياسي عنيف داخل المشهد السياسي الامريكي بسبب تداعيات «طوفان الأقصی» الذي لم يقتصر علی الديمقراطيين الذين يديرون البيت الأبيض وانما علی الجمهوريين ايضا.
مقالة الرئيس بايدن ضمت اقتراح وضع «خارطة طريق» لخلق «شرق أوسط جديد وقوي» من خلال حل المسألة الفلسطينيّة.
أفكار المقالة جاءت بعد 7 اكتوبر وبعد الزيارة التي قام بها الی اسرائيل، فضلا عن الجولة التي قام بها وزير خارجيته أنتوني بلينكن للمنطقة؛ ووزير الدفاع لويد أوستن الی تل ابيب وعدد اخر من كبار المسؤولين في الادارة الامريكية خلال ستة أسابيع منذ عملية «طوفان الأقصی» في 7 اكتوبر/ تشرين الثاني.
الرئيس بايدن رأی في مقالته أن فكرة «حل الدولتين» هي الطريق الوحيدة التي تضمن الأمن المستدام داخل الاراضي الفلسطينيّة المحتلة؛ وان «خارطة الطريق» يجب أن تنتهي الی «حل الدولتين» بعد انتهاء الحرب.
وحسب المقال فإنّ المسار يجب أن يبدأ من إعطاء السلطة الفلسطينية الحق بإدارة شؤون قطاع غزة مع التأكيد علی عدم إجبار سكان غزة على النزوح خارج القطاع؛ وانهاء احتلال القطاع؛ وإزالة كافة أنواع المحاصرة
الاقتصادية.
وفي هذا المسار – كما يقول الرئيس بايدن – وقف كافة أعمال العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية يتزامن ذلك بمنع اعطاء تأشيرة دخول امريكية للمتطرفين الذين يهاجمون المدنيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
اللافت أن هذه «الخارطة» التي طرحها الرئيس بايدن رفضها اليمين الاسرائيلي المتطرف الذي يعد نتنياهو أحد زعمائه الرئيسين، حيث أكد علی مسؤولية اسرائيل في السيطرة علی قطاع غزة وان السلطة الفلسطينية غير مؤهلة لإدارة القطاع علی حد تعبيره.
لقد عمل نتنياهو خلال أكثر من 20 عاما علی معارضة فكرة «حل الدولتين» وكان يلقي باللائمة علی تشرذم الاجماع الفلسطيني الذي لم يتحد علی هذا المشروع لكن الحقيقة أن اسرائيل وتحديدا اليمين المتطرف هو الذي رفض الفكرة منذ طرحها في سبعينات القرن الماضي.
إنّ فكرة «حل الدولتين» ليست فكرة جديدة فقد تبنت الجمعية العمومية لمنظمة الامم المتحدة في العام 1975 هذه الفكرة لتشكيل دولة فلسطين مستقلة الی جانب «دولة اسرائيل» في حين قامت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988 بتبني المشروع؛ في الوقت الذي أورد القرار المرقم 1397 الصادر من مجلس الامن الدولي في مارس/ اذار من العام 2002 فكرة «حل الدولتين» من دون أن يعترض عليه الجانب الامريكي كما كان يفعل ذلك خلال السنوات السابقة.
اللافت أن حركة حماس لم تغلق الطريق امام القبول بهذا المشروع حيث قامت بعد ذلك بقبول تشكيل دولة فلسطين ذات السيادة الكاملة علی حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف كما جاء في الفقرة 20 من منشور الحركة الصادر في 2017.
امريكياً؛ فإن المواقف التي صدرت خلال اكثر من عقدين من الزمان حيال المسألة الفلسطينية كانت ثابتة الی حدٍّ بعيد بما في ذلك «حل الدولتين» لتسوية هذه المسالة؛ لكن الادارات المختلفة المتعاقبة اختلفت بجديتها في التعاطي مع هذه الفكرة وتحديداً بشأن توسيع المستوطنات الاسرائيلية داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة.
ففي الوقت الذي رأی فيه الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر أن المستوطنات تتعارض مع الحقوق والمواثيق الدولية؛ عمدت الادارات اللاحقة منذ عهد الرئيس رونالد ريغان الی أواخر عهد الرئيس باراك أوباما الی اعتبار توسيع المستوطنات خطوة «غير شرعية» وليست «غير قانونية» علی خلاف المجتمع الدولي الذي رأی عدم قانونية بناء المستوطنات.
لكن بنهاية عهد الرئيس أوباما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت علی القرار 2334 الصادر في ديسمبر من العام 2016 والذي نص علی عدم قانونية بناء المستوطنات ليتم تمرير القرار بـ «14» صوتاً مقابل «امتناع» وليس «اعتراض» الجانب الامريكي عليه؛ والذي دعا الی ايقاف بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقطاع.
وتزامناً مع ذلك قال وزير الخارجية آنذاك جون كيري الذي يعد مهندس فكرة «حل الدولتين» أن علی اسرائيل الاختيار ما بين «الدولة اليهوديَّة» و «الدولة الديمقراطيَّة» ولا يمكن المزج بين النموذجين.
وفي ذات الاطار نحا الرئيس دونالد ترامب منحی آخر عندما رأی أن «صفقة القرن» اكثر جدية وعملية من «حل الدولتين» حيث رأی وزير خارجيته مايك بومبيو أن بناء المستوطنات لم يعد عملا «غير قانوني» من الان
فصاعدا!.
واستناداً علی ذلك فإن الادارة الامريكية تناغمت مع اليمين المتطرف الاسرائيلي لتحقيق عدة خطوات كنقل السفارة الامريكية الی مدينة القدس الشريف والسماح لتوسيع وبناء المستوطنات.
وفي حقيقة الأمر فإن مقالة الرئيس بايدن ارادت الاجابة عن سؤالين:
الاول؛ هل أن اليمين المتطرف الاسرائيلي يستطيع التخلي عن سياسته السابقة حيال الفلسطينيين بعد «الهزة الامنية» التي تعرض لها الكيان في 7 اكتوبر؟، لان عدم اتخاذ هذه الخطوة كما جاء في مضمون المقالة لا يمكن حل الازمة الفلسطينية.
الثاني؛ بالنظر الی امتدادات اسرائيل في الداخل الامريكي واللوبيات الاسرائيلية التي تعمل في داخل الولايات المتحدة وكذلك دخول المشهد الامريكي في الاجواء الانتخابية الرئاسية؛ هل تستطيع الولايات المتحدة أن تفعّل فكرة «حل الدولتين»؟.
واذا ما استثنينا مرحلة رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحاق رابين الذي تمت تصفيته فإن اليمين الاسرائيلي المتطرف هو الذي يسيطر علی القرار الاسرائيلي.
ومن السذاجة الاعتقاد بهذه السهولة أن يوافق هذا اليمين علی فكرة «حل الدولتين»؛ وهو لن يرضی الا بـ «الدولة اليهودية» من البحر الی النهر خالية من الفلسطينيين لا في رام الله ولا في الضفة الغربية ولا في غزة.
وهناك قضية أخری أن إعادة طرح «حل الدولتين» من قبل الادارة الامريكية محاولة لتضميد جروح الفلسطينيين بعد 7 اكتوبر؛ لان هذا المشروع غير محسوم في الوسط الاسرائيلي ويتعارض مع متبنيات الفكر الصهيوني الذي يستند في قسم منه علی «جبل صهيون» الذي يشمل الضفة الغربية.