الحريَّة بمعناها الوجوديَّ

آراء 2023/11/27
...

علاء ناظم

لم يعد مصطلح الحريّة صالحاً للاستخدام في ظل الكثير من الموضوعات الفلسفية الجديدة التي جاءت بعد شيوع الوجوديّة في العالم الغربي المضطرب والمشحون بالأفكار المتمرّدة على الأفكار نفسها.
جان بول ساتر، الفيلسوف الوجودي الوحيد الذي لا يريد أن يكون وجودياً، لأنَّ وجوديته تبدأ من الحرية التي رفضتها الوجوديّة نفسها. لذلك هو إنسان حر قبل أن يكون وجوديا مجردا.
نحن بطبيعتنا نميل نحو وضع أنفسنا في عوالم مجهولة داخل هذا العالم، ثم نتذمر من أنفسنا لأنّها وضعتنا داخلنا مرة أخرى. هذا الميل ليس ميلاً مجرّداً يبدأ ثم ينتهي في لحظة مزاجيّة عابرة، يبدأ من حيث هو  يبدأ.
 لكن السؤال هنا، ما هي طبيعة هذا الميل، هل هو ميل أصيل؟، أول ميل لسد فراغ نفسي؟.
قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة، علينا أن نعرف طبيعة الأسئلة التي نطرحها في مجال الحرية.
السؤال هو الشعور بضيق الوجود، نشعر حين نطرح الأسئلة أننا في غاية الضيق منا، من هذا العالم المتشابه. تثيرنا الأسئلة نحو التفكير الحر في لحظة الهروب من واقع ضيق، لكننا في ذات اللحظة نشعر بالسؤال ينساب نحو الصورة أو الجملة الشعريّة كما الماء المحصور في باطن الأرض، ينفجر، ثم يسيل نحو جذور الوجود البشري الغامض.
هل يجب علينا أن نعرف لماذا نسأل، أو لماذا نريد أن نسأل، هنا الوجود يحدد هذه الـ (لماذا) يحدد طبيعة السؤال عندما يكتظ بعلامات استفهام  مبهمة.
الحرية في أصلها شعور وجودي خالص، نحو ذاتنا، نحو الأشياء، نحو العالم، نحو أي شيء يجعلنا نشعر بالتحليق. أنا حين أشعر بحريتي، أشعر أني موجود، وذلك خلاف مقولة ديكارت: أنا أفكر إذن أنا موجود. من الممكن صياغة التفكير في سؤال الحرية.
أنا حر إذن أنا موجود، لأنّ الحرية هي من تعطي الوجود للتفكير. إذن لا يوجد تفكير من غير الحرية؛ لذا وجود الحرية ضروري قبل أن نفكر لماذا نطرح سؤال التفكير على الوجود.
سارتر عندما حدّد معنى الوجوديّة أعطى صورة أخرى للتفكير، بمعنى هو يطرح السؤال الوجودي في لحظة التفكير، وهو بهذا يعطي قيمة للوجود المفكر، وليس التفكير المتجرّد من وجوديته الحرة. إذن الحريّة لا تعني أن نكون فارغين من التفكير ولا هي الوجود من غير أن نكون أكثر حريّة. أنا حر إذن أنا موجود، أنا أعطي لنفسي صورة حية، تشعر بهذا الوجود.
هل فكرنا لماذا نشعر بالضياع حين نطرح على أنفسنا السؤال الفلسفي القديم (ما تكونه الأشياء حقاً) أو (ما يكونه العقل حقاً)، لأننا لم نشعر بحرية السؤال داخلنا، لذا علينا قبل أن نسأل أن نشعر بحرية لماذا نحن نسأل، وهذا يأخذنا نحو وجود الأشياء نفسها، حقيقتها، ما تكونه فعلا، لأنّ الأشياء لا تتحقق بمعزل عن حريتها في الوجود.
 الوجوديّة السارتريّة هي وجوديّة صادقة من حيث هي حرة، هي موجودة لأنها حرة، وليس وجودها مجرّدة عن حريتها الأصيلة. ساتر يختلف عن سابقيه من الفلاسفة من حيث إعطاء قيمة للوجود الحر، ركز على حرية الوجود وليس الوجود الجامد المسجون في سؤال الوجود فقط. عندما أركز في الشجرة، أو النار مثلا، أنا عندما اريد أن أعرف ما تكونه الشجرة والنار، هنا يجب أن أركز حتى أرى الشجرة لا تشبه شجرة أخرى ولا ناراً أخرى. هذا هو مبدأ فينومينولوجي، أراقب حتى أكون شجرة، أكون النار التي أراقبها، لأنَّ الحرية في التكون هي من تجعلني أشاهد الشجرة لا تشبه شجرة أخرى ولا ناراً أخرى. أي أن ما يحدد هذا التشبه هو الشعور بالحرية في لحظة مراقبتنا  للأشياء.
إذن حريتنا ضرورية في فهم العالم والأشياء، فهم أنفسنا، فهم الوجود العيني الذي قال به ساتر، ما يحدد الوجود هو الحرية المفكرة، الحرية التي تعطي قيمة عليا للإنسان في وجوده الحر. أنا حر إذن أنا موجود.