سناء الوادي
بحثت ملياً في مفردات الأبجديَّة عن تعابير تسعفني في شرح مضمون مقالتي لليوم، لكن عبثاً أحاول، فلا وصف يرقى إلى تفسير تصرفات العدو المحتل الذي لم يكتف يوماً منذ أن زرع كجرثومة سامة في الجسد العربي بالقتل والتدمير والتهجير بكل وحشيَّة وعدوانيَّة بل جاوز ذلك إلى ما لم يتخيله عقل ولا يخطر إلا في بال الشيطان.
فنزع الأرض والهوية الفلسطينيَّة عن الشعب الصامد لا يرضي إجرامه، وإنّما امتدّت يده الآثمة تحت جنح الظلام لسلخ الجلد الفلسطيني للشهداء الذين سُرقت جثثهم أثناء الحروب.
فمنذ أحداث النكبة عام 1948م استولى الصهاينة على الأرض الفلسطينيَّة لجمع شتاتهم وللخلاص من معازل الغيتو التي كانت تمثل الشعب اليهودي المنبوذ والمستغَل داخل المجتمعات الأوروبيَّة، فأرادوا ستر جسدهم الممزق على حساب تقطيع الجسد الفلسطيني الكبير، ناهيك عن أنّهم عمدوا فعليَّاً إلى تمزيق جسد الشبّان الفلسطينيين الشهداء وسرقة أعضائهم وسلخ جلودهم ليس فقد لترقيع جنودهم واستشفائهم وإنمّا ليصبح لديهم بنكٌ للجلد والأعضاء البشريَّة بما يجعل من إسرائيل الأولى بهذه التجارة في الشرق الأوسط وتتفوق بذلك على بنك الجلد الأمريكي الذي تأسس قبله بأربعين عاماً.
الجلد الفلسطيني العربي لم يستر عُريهم الفاضح بل على النقيض من ذلك سيعريهم أمام العالم أجمع ويكشف فظائعهم الدمويَّة، فالمقاومة عند الشباب الحرّ لا تتوقف بالاستشهاد لكنها تستمر حتى بعد الموت ومن هنا فإنَّ الفلسطينيين يتظاهرون كل عام في السادس من شهر آب مطالبين باسترداد جثامين أبنائهم المحتجزة لدى الاحتلال، فالبعض منها يعود لفترة السبعينات التي شهدت حرب تشرين التحريريَّة والتي كبّدتهم خسائر فادحة لم يتحملوها ولربما من هنا كانت نقطة البداية فتحالفوا مع الشيطان ببدء مشروعهم القذر وبعد اختمار الفكرة أنشئ هذا البنك عام 1985م وظل قيد السريَّة إلى أن افتضح أمره على يد الصحافي السويدي "دونالد بوستروم" أثناء تغطيته لأحداث "انتفاضة الحجارة" عام 1992م عندما قتل الفتى بلال أحمد وصورت جثته مخاطةً بعد سرقة أعضائه، وكانت فترة التسعينات من القرن الماضي تشهد معاناة الفلسطينيين كثيراً من عمليات خطف الشباب واختفائهم ثم تسلمهم سلطات الاحتلال لذويهم جثة هامدة بشرط الدفن ليلاً وعدم التشريح، وتحسباً لأي تصرّف محتمل من أهل الضحية ففي الغالب يتسلّمون الجثة كقطعة ثلج مجمدة لدرجة 40 تحت الصفر محال التعامل معها وتحت عرف إكرام الميت توجب عليهم الدفن بسرعة، بيدَ أن هذه السرقة باتت منظّمة أكثر بعد انتفاضة الأقصى.
هذا وقد عاود الصحافي بوستروم نشر تقريره ذاته في عام 2009م لكن بمضامين أكثر دقة بأن الحكومة الإسرائيلية في تلك الفترة أطلقت العديد من حملات التبرّع لهذا البنك إلا أن الإقبال كان ضعيفاً والطلب في ازدياد.. فمن أين إذاً بلغت كمية الجلد البشري في البنك لقرابة 170 كلم مربع؟.
مع الإشارة طبعاً إلى أن السنتيمتر الواحد من الجلد ذو قيمة عالية جداً في عمليات الترقيع للحروق والجروح، فكانوا يداوون مصابيهم من جلد شهدائنا، ذلك ما أكدته عالمة الإنسان الإسرائيليَّة "مئيرا فايس" أثناء لقائها مع القناة العاشرة الإسرائيليَّة وهي التي عملت في معهد الطب الشرعي الإسرائيلي لقرابة ست سنوات، بأنّها شاهدت بأمّ عينها كيف كانوا يأخذون أعضاء من جثث الفلسطينيين ويضعون مكانها قطعا بلاستيكية، أما عن الجلد فكان يسرق من الظهر، وأضافت أن العرف الديني اليهودي لا يبيح لهم التبرّع بالأعضاء لذلك كانت تسلّم جثث قتلاهم كاملة وسليمة لذويهم، كما وأوردت في كتابها المعنون "على جثثهم الميتة" تفاصيل مرعبة عن أخذ كل ما يمكن أخذه من جثث الشهداء، ومن ثمَّ الدفن بشكل جماعي في مقابر الأرقام حيث أنّه لكل جثة ملف أمني خاص وتفاصيلها الكاملة لكن من دون اسم فقط حسب الرقم المرفق بالملف.
حتى أنَّ شخصيات نافذة في إسرائيل اعترفت بذلك مثل "ملكا ساؤوت" مديرة بنك الجلد عام 2014م قائلة أنَّ جثث الشهداء تسرق للتشريح، كذلك التقارير التي قدمتها صحيفة يديعوت أحرونوت العبريَّة واتهمت فيها المدير السابق لمعهد الطب العدلي "يهودا هيس" بالاتجار غير المشروع وامتهان ذلك بعرض قائمة لأسعار كل عضو.
أحداث غزة الجارية واقتحام الجيش الإسرائيلي لمشفى الشفاء بذرائع واهية تدخل ضمن هذا السياق فقد روى شهود عيان من داخل المشفى سرقة الجثث الطاهرة للشهداء من قبل الجنود وسحبهم للخارج، وهذا ما يؤكد استمرارية النهج القذر للمحتلين حتى الآن فيدعمون مخزون البنك بطريقة غادرة لتجارة تدرُّ الأرباح الطائلة عليهم.
لا يوجد في قاموس الوحشيَّة البشريَّة ما يصل إلى هذا الدرك من الانحطاط وما يمارس على شعبنا في فلسطين يفوق قدرة التحمّل، فلنضاعف الجهود والعمل الدؤوب لكشف هذه الممارسات وفضحها علّها تكون مسماراً يدق في نعش الصهيونية المغتصبة.
كاتبة سورية