علي فائز
أيّام قليلة تفصلنا عن انتخابات مجالس المحافظات، في ظل خمول شعبي كبير غير مكترثٍ بالدعايات الانتخابيّة التي خنقت الشوارع والبنايات.
التيار الصدري صاحب القاعدة الشعبيّة الأكبر في العراق، أعلن بصراحة مقاطعة هذه الانتخابات، الامر الذي أنعش آمال بعض الفاعلين في حراك تشرين، بأن مقاطعتهم ستكون ذات جدوى هذه المرة خصوصًا أن بيان الصدر حول المقاطعة ذكر فيه بعض ذات المبررات التي سبق وان تحدث بها جمهور المقاطعة خلال الدورات البرلمانيّة السابقة حيث كتب الصدر: "ومقاطعتكم للانتخابات أمر يفرحني ويغيظ العدا... ويقلل من شرعية الانتخابات دولياً وداخلياً ويقلص من هيمنة الفاسدين والتبعيين على عراقنا الحبيب".
وإذا كانت الانتخابات البرلمانية في عام 2021 وصلت نسبة المشاركة فيها الى 41 % فأتصور ان هذه الانتخابات والتي هي اقل أهمية من البرلمانية، ستنال النصيب الأعلى في المقاطعة!
اذا نحن أمام ازمة مشاركة كبيرة منذ تأسيس هذا النظام والى يومنا هذا، من دون تقديم أية معالجة، المشاركة السياسية أحد مقومات فاعلية النظام السياسي ومرونته، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالثقافة السياسيّة المساهمة والتي يتطلب تحقيقها تمتع النظام بالشرعية الدستورية ومستوعبًا لأفراد المجتمع اولًا، وثانيًا، أن تحظى سياسته بالرضا والقبول في المجتمع، ونجاح ذلك يتوقف على وجود دعامتين مهمتين هما:
أولًا: الاحتكام إلى منطق المواطنة وما تحمله من حقوق وواجبات. وثانيًا: سيادة القانون ضمن الإطار الدستوري بوصفه معيارًا للحكم الرشيد. وكان لغياب هاتين الدعامتين عن فلسفة النظام السياسي العراقي، منذ نشأة الدولة العراقية عام 1921 وإلى يومنا هذا، سبب في كل الإخفاقات والأزمات التي حالت من دون خلق مشاركة سياسيَّة حقيقيَّة.
إذ إنَّ جوهر الديمقراطية هو المشاركة السياسيَّة، لكن المشكلة أن الديمقراطية سارت في العراق بمعزل عن الفكر الليبرالي في ما يتعلق بالفرد والأفكار التحرريّة، فوجود التشريعات والنصوص التي تنظم المشاركة السياسية من دون وجود مؤسسات وايمان حقيقي بالفكر الليبرالي يجعل المشاركة السياسية توصف بـ(الديمقراطية المقلّدة) كما يصفها (صموئيل هانتنغتون)، وهكذا حصلت فجوة كبيرة بين النظام السياسي وآليَّة المشاركة نتيجة لضعف المؤسسات وعدم توفر اطار فكري يتيح المشاركة مما جعل النظام السياسي عاجزًا عن استيعاب المدخلات فصار العنف واللامبالاة خياره الأول لفرض الإرادة
السياسيَّة.
إذ نلحظ في حالة العراق شيوع التقاليد السياسيَّة التسلطيَّة وعدم وجود اتفاق بشأن المشاركة السياسيَّة بين مكونات البلد الرئيسيَّة بسبب المحاصصة الطائفيَّة، فضلًا عن غياب الطبقة الوسطى المستنيرة صاحبة الدور المهم في التحول الديمقراطي والمشاركة السياسيَّة فعدم وجود طبقة وسطى منفصلة عن رحم الدولة المالكة يتعسّر إيجاد بنية ديمقراطية حديثة فهي تمثل "خميرة الديمقراطية".
وهكذا ضاقت المشاركة السياسيّة الشعبيّة والفعّالة نتيجة لتخلف البنى الرسميّة الحديثة، وتسيّد البنى التقليديّة المتمثلة بالدين والطائفة والقبيلة، وهو ما تستند إليه القوى والأحزاب السياسية في العراق وذلك من أجل فرض هيمنتها على النظام السياسي.
إذ تتسم الثقافة السياسيّة في المجتمع العراقي بكونها خليطاً من البنى الطائفية والقبلية مستمدة من روابط الدم والمذهب وتسود في ظل هذه البنى قيم الطاعة والخضوع والعلاقات التراتبيَّة الهرميَّة.
ففي حال عدم وجود مؤسسات سياسية فاعلة وقوية وقادرة على التكيّف تصبح المشاركة السياسية عاملا لعدم الاستقرار والعنف وعلاوة على ذلك فإنَّ تخلف الدولة في إطار مؤسساتها السياسيَّة، يؤدي الى صعوبة بالغة في التعبير عن المطالب الموجهة للنظام عبر القنوات الشرعية مما يؤدي إلى بلبلة سياسية وحالات عنف قد يبشر به المستقبل السياسي للبلاد.