طوفان القدس ودماء غزة

آراء 2023/11/28
...

 أحمد الشطري

طالما خدعتنا تلك التنظيرات والشعارات والصور الإنسانيّة التي تصدرها تلك الدول المتحضرة أو دول (العالم الأول) وفق التقسيمات التي صدرتها لنا ماكنة الإعلام الغربي، والتي تكشف زيفها وكذبها أمام المشاهد المروعة للقتل الجماعي الذي تمارسه العصابات الصهيونيّة في فلسطين وفي غزة على الأخص.

ما كان مستوراً بالإرادة المهيمنة للحكومات الغربيّة وأجهزتها الاستخباريّة أصبح اليوم خارج إرادة وسائل التعتيم والتزوير تلك بنسبة وإن بدت ضئيلة ولكنها كانت كافية نوعا ما؛ لإزالة طلاءات التجميل لتلك السياسات التي تنساق وراء إرادة الصهيونية ومغريات المصالح الذاتية، حتى لو دعاها ذلك إلى محو الآلاف من البشر الأبرياء وتدمير المنازل والمستشفيات والمدارس. من نقصدهم بحديثنا هنا هم الحكومات وأرباب السياسة وليس المواطنين، فقد رأينا كيف امتلأت شوارع عواصم أمريكا وأوروبا بالمتظاهرين المناهضين للوحشيّة الصهيونيّة التي لا يمكن لأي إنسان حرّ ومتحضر أن يغض طرفه عنها، وينام ضميره الإنساني هانئا، وهو يشاهد هذه البشاعة في القتل والتدمير الذي لا يعكس سوى روح الإجرام المتغلغلة في نفوس العصابات الصهيونيّة المتوحّشة.

إنَّ ما نراه على منصات التواصل الاجتماعي وخاصة موقع تويتر أو (x) بمسمّاهُ الجديد وخاصة ما ينشره التويتريون الأمريكيون أو الغربيون يمثل صورة مشرقة للتفاعل الإنساني، وخروجا وتحديا لإرادات الصهيونيّة العالميّة، وهو ما أسهم بشكل كبير في كشف الحقائق التي طالما عتمت عليها وزوّرتها ماكنة الإعلام المتصهينة، لما تمثله حياديّة منشورات هؤلاء من خلال تقديم المعلومة المدعمة بالصور والفديوات والتي أثمرت عن تأثير لا بأس به على الرأي الشعبي في تلك الدول وأسهم بفضح تناقضات السياسات الحكوميّة التي وقفت بكل ثقلها إلى جانب هذا الوحش المحتل المتغطرس.

وإذا كان للموقف الداعم للقضية الفلسطينيّة والرافض لجرائم الصهيونيّة المتغطرسة من قبل جمهور واسع من تلك الشعوب الأوروبيّة والذي يستحق الاحترام والإجلال والإكبار، ذلك الموقف الذي لم يبحث عن تبريرات خاوية لتبني الصمت أو القبول بما تقوم به العصابات الصهيونية من مجازر مروعة بحق شعب غزة نقول إذا كان ذلك الموقف الانساني ما يخفف من وطأة الألم. فإنَّ أكثر ما يحز في النفس هو تلك المواقف الانهزاميَّة والمتواطئة ليس من قبل غالبية الحكومات العربيّة والإسلاميّة فحسب؛ بل من قبل العديد من مواطني تلك الدول الذين راحوا يبحثون عن تبريرات مخجلة، تعبر عن تفاهة تفكيرهم وخواء نفوسهم وسبات ضمائرهم، وهم يشاهدون أخوتهم يُذبَّحون وتُدمَّر بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم فوق رؤوس ساكنيها من دون أن تحرك فيهم ساكنا ليس للقتال؛ بل لإطلاق صوت الرفض والإدانة لتلك الجرائم وهو أضعف الإيمان.

ولعل أغرب وأعجب ما وصلت إليه درجات التخاذل، هو تلك الأصوات المضللة التي راحت تنعق من على منابر الصلاة محرّمة التظاهر لنصرة إخوتهم في الدين والتاريخ والدم، أو تلك التي اتخذت من وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لبث سمومها الطائفيَّة، باختلاق حجج لا تعكس سوى خواء نفوسهم المريضة، فيُجمِّلون ما قبَّحه الضمير الإنساني ويُقبِّحون ما جمَّله.  إنَّ (طوفان القدس) ومعركة غزة رغم فداحة الخسائر لكنها استطاعت أن تقلب الصورة لوجهها الحقيقي أمام شعوب العالم، وأن تكشف زيف متبنيات السياسات الغرب أمريكية واختلال موازينها، مثلما كشفت بشكل جلي وجوه المتخاذلين والمطبعين مع الصهيونيّة المجرمة، وفي الوقت ذاته أظهرت قوة الحق وقدرته على إزالة الضبابيّة والعتمة التي يتستر بها 

المجرمون وأتباعهم، وجعل الحقائق مكشوفة أمام مرأى الضمائر الحيَّة.