الموقف من العمالة الوافدة

آراء 2023/11/28
...






 أ. د. فلاح خلف الربيعي


أغلب الدراسات والتقارير المحليَّة التي تتناول موضوع العمالة الوافدة في العراق تنطلق من اعتبارات معياريَّة (سياسيَّة واجتماعيَّة او أخلاقيَّة) أما الرؤيا الاقتصاديَّة فإنّها تتعامل مع موضوع العمالة الوافدة انطلاقاً من الرؤية الموضوعيّة التي تتعامل مع ما هو كائن وليس ما ينبغي أن يكون، أي أنّها تتعامل مع الواقع، من خلال تحليل التحولات في أنماط الطلب في سوق العمل أي تحليل الظروف التي تحرك كلّاً من جانب عرض العمل والطلب على العمل لتشخيص كفاءة توظيف القوى العاملة في تلك السوق ومدى قدرتها على تحقيق أقصى انتاجيَّة ممكنة وأقصى عائد من خلال تحقيق أقصى انتاجيَّة جدية للعامل كمقابل عن الأجر الذي يتقاضاهُ المشاركون في سوق العمل بما فيهم العمالة الوافدة، واذا أخذنا بنظر الاعتبار اندماج الاقتصاد العراقي مع العولمة الاقتصاديّة وتوقيعه على عدد من الاتفاقيات مع منظمة العمل الدوليّة بخصوص استقبال العمالة الوافدة، فضلا عن التغير الذي طرأ في فلسفه النظام الاقتصادي بعد عام 2003 الذي توجه نحو النظام الليبرالي الذي يقتضي عدم تدخل الدولة في آليّات السوق بشكل عام بما في ذلك سوق العمل لذلك فإنّ المنافسة بين العمال العراقيين والأجانب في سوق العمل يجب ان تستند إلى اعتبارات الكفاءة، وبناءً على ذلك فإنّ التعامل مع العمالة الوافدة، يجب ان يكون وفق شروط الكفاءة التي تتحدد من خلال مدى استفادة الاقتصاد العراقي من هذه العمالة في الظروف الراهنة. 

فاذا كانت هذه العمالة مفيدة،اي يتم توظيفها في قطاعات انتاجية وخدمية  تسهم في رفع مستوى الإنتاجية في قطاعات الانتاج فإن هذه العمالة تعد ضرورية ومهمة في الوقت الراهن في ظل ندرة هذا النوع من الايدي العاملة العراقية القادرة على أداء المهمة نفسها بالكفاءة نفسها، في ظل نقص المهارات والكفاءات المؤهلة للقيام بمثل هذه الاعمال، وتعد الشركات النفطيّة والاطباء والملاكات الصحيَّة في المستشفيات وأساتذة الجامعات في التخصصات النادرة التي تعمل في مختلف الأنشطة خير مثال على ذلك، وعليه ينبغي تقديم التسهيلات من أجل استقدام هذا النوع من العمالة لأهميتها في المرحلة 

الراهنة.

أما العمالة غير الماهرة التي يمكن الاستغناء عنها من دون إلحاق الضرر بالاقتصاد او التي بإمكان العمالة العراقيَّة التعويض عنها  لكونها لا تمتلك تلك المؤهلات والمهارات المرتفعة، فهذه يمكن تنظيم التعامل معها وفق آليّات النظام الضريبي اي يمكن تنظيم نظام للضرائب التصاعديَّة، على أن تستند هذه الضرائب إلى مرونة الطلب على العمالة الوافدة، فاذا كان الطلب عليها قليل المرونة أي أن هناك حاجة ماسة لهذا النوع من العمالة لكونها تتميز بالمهارة المرتفعة او التخصصات النادرة، فهذا النوع من العمالة يُعفى من الضرائب، اما اذا كان الطلب عليها كبير المرونة اي يمكن الاستغناء عنها وانها لا تشكل اهمية ملحة للاقتصاد، فهذا النوع من العمالة تفرض عليه ضرائب مرتفعة، ووفقاً لهذه الآليات التي تستند إلى الاعتبارات الكفاءة الاقتصاديّة سيتسم التدخل الحكومي في سوق العمل بالكفاءة  لكونه لا يستند إلى الاعتبارات السياسيّة والاجتماعيّة فقط. فالتدخل الحكومي الذي يسعى الى تحقيق العدالة وتحسين ظروف وشروط سوق العمل ينبغي ان لا يؤثر على الكفاءة الاقتصاديّة المتمثلة بحجم الفائض الاقتصادي المتحقق في السوق العمل سواء كان فائض العاملين او فائض المنتجين، وبعبارة أخرى فإنّ التدخل الحكومي ينبغي ان لا يؤدي الى تشويه آليّات السوق وتدهور شروط المشاركة في سوق العمل.

كما أن أي إجراءات تخص العمالة الوافدة يجب ان تأخذ بنظر الاعتبار أن سوق العمل في العراق هو سوق تتسم بالتجزئة أي أنّها مكونة من سوقين؛ سوق تخضع للقطاع الرسمي وهذا القطاع يخضع الى القانون ويخضع الى سياسات التشغيل الخاصة بقطاع التشغيل الحكومي، أما السوق الثانية فهي سوق غير رسمية وهذه السوق لا تخضع للقانون تقريباً ولا تخضع للنظام 

الضريبي. وغالباً ما يتم توظيف المؤهلات والكفاءات والمهارات في القطاع الرسمي، وعليه فإنَّ المشكلة تتركز في استقدام العمالة غير الماهرة وشبه الماهرة نحو القطاع غير الرسمي وخاصة قطاع الخدمات وقطاع التجارة كمحلات البيع بالتجزئة والمطاعم وخدم المنازل والمربيات واستقدام هذا النوع من العمالة ارتبط بالتحولات في انماط الطلب بعد عام 2003، التي تعود الى التحسن في  دخول العراقيين من ناحية والتفاوت الكبير في توزيع الثروات من ناحية ثانية الذي خلق طبقة اجتماعية اصبحت حاجتها ملحة الى خدم المنازل والمربيات والسائقين، ان هذه التحولات في انماط الطلب في سوق العمل في العراق تحتاج الى دراسة دقيقة للتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لاستقدام هذا النوع من العمالة، من خلال دراسة توزيع العمالة حسب المهن والمهارات لتحديد حجم الفجوات في المهارات والخبرات والمؤهلات بين العمال العراقيين والاجانب من اجل التركيز عليها في عملية بناء القدرات من خلال زيادة التخصيصات لتدريب العمال العراقيين وتطوير المهن لتمكين العمالة العراقية من منافسة العمالة الاجنبية مع ضرورة دفع التعويضات للمتضررين من هذه التطورات في سوق العمل وبخاصة من مخرجات النظام التعليمي.