معلّمو السليمانية

العراق 2023/11/28
...

أحمد عبد الحسين



أمس الأول، مُنع معلمو محافظة السليمانيّة من الوصول إلى بغداد للاحتجاج في ساحة التحرير كما كانوا يخططون. أوقفتهم السيطرات في مخارج كركوك 

وأرجعتهم من حيث أتوا.

المعلّمون في عموم العراق مغبونون بنسب متفاوتة، لكنّ معلمّي السليمانية لم يتسلموا رواتب لثلاثة أشهر مضتْ، وذهبتْ وقفاتهم في محافظتهم للمطالبة بصرف هذه الرواتب سدى، ويبدو أنْ لا أحد يسمعهم هناك فقرروا الضغط على الحكومة الاتحادية لتضغط بدورها على حكومة الإقليم عسى أن تمنحهم مستحقاتهم.

في آخر تظاهرة احتجاجية لهم في السليمانية رفع هؤلاء المعلمون مطلباً واضحاً وهو أن يصار إلى دفع رواتبهم من قبل الحكومة الاتحادية أسوة بسائر زملائهم في عموم البلاد، إضافة إلى مطلبين آخرين مشروعين هما: تثبيت المحاضرين المجانيين على الملاك الدائم، وإعادة العمل بقانون ترفيع الموظفين الذي أوقف العمل به منذ تسع سنوات خلتْ.

في الشدّ والجذب والمناكفات بين المركز والإقليم خلال فترات الحكومات المتعاقبة كان موظفو الإقليم، والمعلمون منهم على الأخص، هم الضحايا المباشرين. فلا يقف الأمر عند رواتب الأشهر الثلاثة التي اقتطعتْ من ميزانية معلّم ليس له ولأسرته إلا هذا الراتب “الذي هو ضئيل أصلاً”، بل أنّ مجموع ما ضاع في هذه الهرجة السياسية التي لا ناقة فيها للمواطن ولا جمل يصل إلى أكثر من ثلاثين راتباً منذ 2014 وحتى اليوم.

هكذا هو الأمر دائماً: كلما أمسك سياسيّ بخناق سياسيّ آخر جاعتْ عوائل الفقراء الذين تختلف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم، لكنّ هويةً كبرى توحّدهم معاً وهي الفقرُ والحاجة إلى الراتب الذي يبذلون في سبيله عَرَقاً شريفاً ومع ذلك لا ينالونه.

الضحية الأخرى في هذه المظلمة هم طلّاب الإقليم، فهناك أكثر من مليون طالب عراقيّ في محافظات كردستان لم يبدؤوا سنتهم الدراسية بعدُ، لأنّ المعلمين مضربون.

الإضراب وسيلة احتجاج شرعية، وإذا كانت مديرية التربية في السليمانية ناشدت 58 ألف معلّم للعودة إلى مدارسهم فعليها قبل ذلك واجب الضغط على الجهات المسؤولة لصرف رواتبهم التي أكلها الذئب.

لو أنّ معلّمي السليمانية وصلوا إلى بغداد وتظاهروا فيها، لكنّا شهدنا وقفة احتجاج ذات رمزية عالية، أبرز رسائلها أنّ خلافات السياسيين تأكل وتشرب من بيوت الفقراء وتسرق قوت أطفالهم، وأنّ الهويّات كلّها مهما كانت مبجّلة تتهاوى أمام الهويّة الكبرى التي تصنعها حاجة الإنسان لأن يعيش. وهو لا يريد أن يعيش كيفما اتفق، بل يريد أن يحيا.. بكرامة.