كمال انمار
أصدرتِ الشاعرة العراقية وجدان وحيد ديوانها المعنون مواسم الندى عن متون المثقف للنشر والتوزيع وهو إصدارها الثاني بعد كتابها أضرحة الورد. وقد حوى هذا الإصدار مجموعة متنوعة من النصوص النثرية البالغة 41 نصا، وقد سافرت الشاعرة فيها سفراً شعريا في عوالم شتّى وصورا لخّصت ما جال في نفسها من حزنٍ وغضبٍ وفرحٍ وذكرى وبيّنت انفعالاتها واختلاجاتها، على هيئة نثرٍ مركّزٍ، يوحي بقدرة الشاعرة على فن الاستعارة، وتوظيف التاريخ، بما يلائم وطبيعة الحدث الذي
تعرّضت له.
وعن اختيار اسم مواسم الندى لهذا الاصدار، قالت
الشاعرة إن هذا الاسم هو أصلاً "عنوانٌ لنصٍ كَتبْتُه مطلع العام الجديد، الذي عادة ما يبدأ بالتفاؤل والخصب والحياة
التي تشير له كلماتي، وقد استخدمت الندى كرمزٍ للخصب والحياة."
و كانَ هذا النص على وجه الخصوص تنويعا في توجهات الشاعرة التي غلبَ عليها طابع الحزن والحنين والوحدة والضجر، ليأتي بهيأة بعثٍ جديد لمغامرات العمر المستمر.
ولم يتوقف الدفق الشعري عند رثاء النفس واستذكار الجروح، وتقليب الذكريات والمحن السياسية والاجتماعية، التي عايشتها الشاعرة، بل تعدّى لما هو أبعد وأعمق وراح يتفحّص أعماق النفس وما تعانيه لتطبعه بطبعها الرومانسي القريب جدّا من أساليب المدرسة الرومانسية العربية، المتمثلة بجماعة ابولو، فقد قالت تصف نفسها بصيغة الغائب الحاضر: "جلستْ على حافة الزمن تسترق النظر إلى كومة قش مشتعلة بروحها حين كانت تحرث الليل بمعول كلماته فظلّت صامتة كالأرضِ.." بهذا الوصف الهادئ/ الغاضب استطاعت أن تلفت نظر القارئ المتفحص وتحرّك فيه الحيرة والتعجب، وتصدمه بأنها كانت على حافة الزمن، وهي دلالة تشير لرؤيةٍ الذات، بعيدا عن الموجود/ المحسوس و المُدرَك/ الواضح لتبتعد عنّا زمانيا ومكانيا في لحظة ما لتعيدَ النظر إلى واقعها، وترى نفسها تنظر إلى كومة قش مشتعلة، لتبقى صامتةً كما الأرض، وهي إشارة مفارقة أيضا؛ إذ إنّ صمتَ الأرض ليس بالدائم، ولا بد أن تعقبه الزلازل وثورات البراكين، وما شاكلها لتشير الشاعرة إلى أن صمتها هذا مؤقت، وسيكون بعد الصمت رد فعلٍ لا يمكن توقعه. لا تتوقّف الشاعرة عن توثيق حزنها المتواصل، ذلك الحزن المتأصّل في روحها و أعماقها تماماً، ومثل هذا الحزن الأصيل يكاد يكون موجوداً حتى في الحُبّ و لحظات السعادة الغامرة، فها هي تنادي عاشقها المفترض، الذي يمكن أن يكون تفاؤلها أو أملها تناديه ألا يفارق قبرها لتطلبَ منه أن يكون أبد الدهر قريبا منها/ حتى لا تتساقط أوراق بؤسي من حكاية جرحي/ ويبقى تاريخ يأسي على سارية قبري.