دوافع تغيير الموقف الغربي من الحرب في غزة

آراء 2023/11/29
...






 د. زيد البيدر

آثار الموقف الغربي تجاه عملية طوفان الأقصى صدمة كبيرة للرأي العربي والإسلامي، بسبب طريقة تفاعله مع تلك العملية، إذ كان واضحاً على قادة هذه الدول حجم الحزن والتعاطف مع دولة الاحتلال، وكأن العالم اصبح المدينة الفاضلة التي خالف الفلسطينيون قوانينها بارتكابهم الخطيئة الاولى، التي جعلت الجميع ينادي بتوقيع أقصى درجات العقوبة بحقهم.
إنَّ ما يُفسّر الاهتمام والغضب الغربي لما حدث لدولة الاحتلال في عملية طوفان الأقصى، هو حرصهم أن يبقى الفلسطينيون الضحية التي لا تمتلك القدرة والقوة على معاقبة أو الرد على جلّادها، أو انها كانت كالطوفان الذي جرف وحطّم معه أساطير الغرب بكون اسرائيل القوة التي لا تقهر.
لم تتغير هذه المواقف مع بداية الاحتلال عدوانه على غزة، رغم المجازر الكبيرة التي قام بها الاحتلال بحق المدنيين، بل ان الدول الغربية كانت حريصة على ايصال المساعدات العسكرية والمالية لدولة الاحتلال حتى تتمكن آلة القتل الصهيونيّة من الاستمرار.
ومن خلال تتبع مواقف الدول الغربية منذ بداية العدوان على غزة، يتضح انها كانت مؤيدة ومساندة للأسلوب الوحشي ضد المدنيين، اذ صدرت تصريحات عدة من قادة هذه الدولة تعلن دعمها للعملية وتعدها حقا مشروعا للدفاع عن النفس.
إنَّ المشاهد اليوميّة المروعة التي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين يصعب على الإنسان مشاهدتها، فكيف بالدول الغربية التي كانت شريكة وداعمة لها، وبموقفها هذا وضعت نفسها، بمكان تستحي حتى الشياطين أن تتواجد فيه.
واليوم نشهد مواقف مختلفة من الدول الغربية تجاه ما يحدث في غزة، سواء من خلال الدعوات إلى ايقاف الحرب أو المطالبة بهدنة انسانية تسمح بوصول المساعدات ونقل الجرحى واخلاء المدنيين.
إذ لا يمكن اعتبار ذلك نابعاً من دوافع انسانية أو يكون بمثابة صحوة ضمير، فكيف بمن كان يستمتع بمشاهدة أشلاء القتلى من النساء والاطفال، ان يصبح في ليلة وضحاها حريصاً على حماية حياة المدنيين، والذي يعد السبب الرئيس في ازهاقها، بل كان حريصاً على استمرار آلة القتل هذه، من خلال التأييد والدعم لتلك الممارسات، فضلاً عن الاستقتال في افشال قرارات مجلس الامن التي حاولت ايقاف هذا العدوان، بل منعت صدور أي قرار يتضمن حتى إدانة هذه الممارسات.
ويمكن أن يرجع التغيير في المواقف الغربي إلى مجموعة من الاسباب، الاول: هو تصاعد الغضب الشعبي العالمي تجاه الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين، اذ شهدت عواصم غربية عدة تنظيم مظاهرات رافضة لممارسات الاحتلال الوحشية، في حين كانت تلك الحقيقة غائبة عن الرأي العام العالمي، نتيجة للدور الكبير الذي لعبته المؤسسات التابعة للدول الغربية في حجب الحقائق عن الرأي العام وتصوير دولة اسرائيل بأنّها الضحية، ولكن نتيجة لجهود مشتركة من قبل مجموعة من المؤسسات الاعلامية العربية والعالمية، فضلا عن المشاهير في الاعلام والفن والرياضة ومواقع التواصل الاجتماعي، تم ايصال حقيقة ما يحدث إلى العالم.
والسبب الثاني يرجع إلى الخسائر الكبيرة التي يتعرض لها جيش الاحتلال في غزة، اذ نجحت قوات المقاومة الفلسطينية بتكبيد دولة الاحتلال خسائر كبيرة في الارواح والمعدات، اذ فشلت دولة الاحتلال في تحقيق نتائج استراتيجية في عمليتها البرية رغم اقترابها من شهرها الثاني، وهذا ما يجعلها غير قادرة على الصمود في تلك المناطق لمدة أطول، وكأن الدول الغربية بموقفها هذا، تريد تخليص جيش الاحتلال من هزيمة محققة، وتظهر للعيان ان انسحابه جاء بفعل الضغط الغربي وتحفظ بذلك ماء وجهه.
ويرجع السبب الثالث إلى تصاعد العمليات التي تقوم بها قوات المقاومة في العراق وسوريا ضد المصالح الامريكية والاسرائيلية اذ لم يمر يوم ولم تسجل فيه هجمات تجاه المصالح الامريكية في العراق وسوريا، فضلا عن الهجمات التي يشنها الجيش اليمني بواسطة الصواريخ البالستية أو الطائرات المسيرة، والتي تضرب باستمرار مواقع داخل دولة الاحتلال، فضلاً عن الضغط والخطر الذي بدأ تتعرض له الشحنات البحريّة لدولة الاحتلال من خلال اعلان الجيش اليمني عن احتجازه سفينة شحن تابعة للاحتلال، وتعهدهم باستمرار استهداف اي سفينة تعود له، وهذا ما سوف يكبد دولة الاحتلال خسائر كبيرة من خلال مساهمته في ارتفاع رسوم الشحن البحري وزيادة تكاليف التأمين، وبدوره ينعكس سلباً على أسعار السلع.
أما السبب الأخير فإنه يرجع إلى التكلفة الكبيرة للحرب التي تشنها دولة الاحتلال والتي وصلت إلى (51) مليار دولار في الشهر الاول، وكذلك يتكبّد اقتصادها بسببها خسائر أسبوعيّة تقدر بـ (600) مليون دولار، وذكر تقرير لبنك جيب ي مورغان الامريكي ان الاقتصاد الاسرائيلي قد ينكمش بنسبة (11%) على أساس سنوي، في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الحالي، وذلك مع تصاعد العدوان على غزة، فضلاً عن زيادة الاقتراض وتراجع بورصة تل ابيب بنسبة (15%) وفقدان نحو (25) مليار من القيمة السوقية للبورصة، وهذا ما جعلها تُسرِّح جزءا كبيرا من قوات الاحتياط نتيجة لعدم القدرة على تحمّل نفقات تمويلها.