شيء عن الغابة

ثقافة 2019/05/14
...

شكر حاجم الصالحي 
 
 
بعد مجموعتيه الشعريتين ــ بستان الليل ـ و ــ ما لا يُنطق ــ تحكيه القسمات ــ تجيء مجموعته الثالثة ــ شيء عن الغابة ــ لتؤكد اصرار الشاعر كاظم مزهر على مواصلة لعبته المحببة في إنتاج نصوص تعبّر عن مكونات تجاربه الحياتية وتنوعاتها ، بما يجسد حرصه على حضوره الفاعل في المشهد الثقافي الراهن ، وقبل أن نقدم هذه القراءة الانطباعية عن نصوص مجموعته هذه ، أود أن أشير الى عنوان المجموعة باعتباره العتبة للكشف عن المتن فـ ( شيء عن الغابة ) عنوان مضلل لم يكن له صلة بنصوصه ، فلم أجد عنواناً لأحد النصوص فيه مفردة ( الغابة ) وأظن ان كاظم مزهر وجد في الحياة بمفهومها الشائع غابة تضم في احشائها كل هذه التفوهات اللفظية التي شيدت معمار المجموعة ، وظني هذا ينسجم مع إضاءته على الصفحة الخامسة من المدونة التي قال فيها ( كيف له ان يجتاز الغابة بهذا القلب ) وبهذه العبارة الموجزة نكتشف صحة ما قلناه من ظن ولم يكن ( بعض الظن إثم ) كما يتداوله اللسان الشعبي ، وهنا لابد من استعراض عنوانات (شيء عن الغابة ) وهي  : 
ما يليق بهذه المرآة ، رغوة في الفراغ ، النهاية الفارغة ، المتغابي ، تحت ظل الغيم بعد سكوت المطر ، هذا ما فكّر به صائد سمكة ، أوراق طائشة ، أحايين ، ربما ، شتائيات ، السوق ، ملامح المدينة ـ بغداد ، موت الشاعر ، لماذا أنا ؟ ..
في هذه النصوص نلمس اندماج الشاعر في حياة الناس اليومية ولم تكن نصوصه نتاح كدًّ ذهني لا يمت للواقع بصلةٍ ومن هنا تأتي حرارة النصوص وصدقها في التعبير عن الهم والمكابدة وإلتباسات الوعي واشكالاته التي تشير الى ترديه وانعكاس ذلك على وعي الشاعر ومهارته في تشييد نصوص تمتلك شروط التفاعل والاشتباك مع موجودات البيئة وشواغلها ، ومع ان في المجموعة إلتماعات مبهرة إلا ان قراءتي وجدت ان نصّيَ (( تحت طلال الغيم ... )) ص 17 ، و (( موت الشاعر )) ص 84 إنفردا حسب ما أرى بالتميز والنضج على ما في المجموعة من نصوص ليست لا ترتقي الى هذين النصين وإنما اختلفت بفعل مضامينها المتنوعة ، يقول كاظم مزهر في ( تحت ظلال الغيم... ) :
لا أنسى مرة . كانت أختك الصغرى رفقتنا ، / تعبت و عطشتّ / يا لبؤسنا ، لم نشتر لها ببسي كولا ولا حتى آيس كريم / كنا مشغولين باتمام المشهد وانتقاء كلمات الحوار لترويها غداً لصديقتك المفضلة / وأغيظ أنا بها صديقي ( عشيقها) الذي كان يصاحبها في الطرق ذاتها من ذلك الحي .
ليس في يوم الاثنين / كانوا يتبادلون خلسة قبلاً بريئة ترفّعنا نحن عنها لأننا نتشبه بالعقلاء .. / ص21 
وهذا المقطع من النص يلخص مضمونه الذي أوقعه في الأسراف السردي حتى بدأ النص وكأنه مقالة مكثفة لا تمت لأشتراطات البناء الشعري والنثري خاصة الذي يفترض ان يكون موجزاً وبمفردات دالة موحية ، وهذا الأسراف ما يقع فيه معظم من يزاول انتاج النصوص النثرية ، في حين نرى كاظم مزهر في [ أوراق طائشة ] ص 27/ص72 يقترب كثيراً من بناء النص النثري بانتاجه نصوصه المختزلة والتي تقول ما تريد بأقل العبارات وأوضح الدلالات ولنقرأ بعض أوراق الطائشة ونرى ما نراه من تطابق وانسجام مع الشروط المعروفة ( لقصيدة ) النثر ، 
   (1)
لحظة ارتطامي بالأرض 
أيقنت بأن
الطيران لحظة مستعارة
(9)
أقف أمام البيت الذي يحترق 
أفتح الباب فيندلق الموتى ضاحكين
المتباكون في الخارج
يتركون اعواد الثقاب عند النوافذ
(27)
العالم يستشرف المستقبل لينجو من تعاسة الماضي
ومازلنا نجترّ الماضي للنجاة من تعاسة المستقبل
حتى أنا . مثال سئ في اللعبة :
مازلت أطارد الذكريات ..
وكان بأمكان الشاعر كاظم مزهر ان يدّون النص رقم (1) بالشكل التالي الذي لايقلل من قدرته على إيصال المعنى المراد :
لحظة ارتطامي بالأرض أيقنت بأن الطيران لحظة مستعارة ..
وأترك للقارئ النابة فحص التدوينين السالفين اذ سيكتشف أن لا فرق بينهما سوى بالشكل ليس إلا ــ ويتألق الشاعر في نصه الجميل ــ موت الشاعر ــ الذي أهداه الى روح الشاعر حسين عبد اللطيف لما فيه من صدق الرثاء ولوعة الحزن وأناقة المفردة الشعرية وسلامة اللغة واكتناز النص بالصور 
المعبرة.