محمد الشجيري.. خامات متعددة ورؤية لتجديد النحت

ثقافة 2023/11/30
...

 خضير الزيدي 

 

تكمن أهمية ما يقدمه النحات محمد الشجيري في طبيعة رؤيته الجماليَّة للفن فيما أظهره لنا من مجموعة متنوعة الاشتغالات الفنيّة ضمن مفهوم التحول البنائيّ، وهو يصر على مزج أكثر من مادة في العمل الواحد مما يفصح عن تفرد وبحث تقني وجمالي الغاية منه ليس ابداء الاختلاف فقط، وإنما جاء التنفيذ عن قناعة أسلوبية في أنه من الممكن أن يأخذ الشكل دوره خارج عملية الاختزال ليكون تحديدا بنائيا معبراً وفقا لعملية تكوين تختلف فيها المادة وتفرضها الرؤية والحاجة إلى تأكيد الجمال والسعي إليه.

 هذه الصيغة في الابتكار تستدعي أن يشارك المتلقي ما ينمو داخل أفكار الفنان من اختلاف، فالبناء والمادة وإنجاز الشكل تخضع لإيقاع خارج التقليد، مما يجعل محور التجربة معتمدا على التقنية والانتباه وآلية التنفيذ، وهي بقدر ما تجعله مسؤولا أمام عمله فهي تحسب له من قوة تفعيل تعتمد البناء على أساس فكرته وما تحمله الرؤية البنائية من خصائص وتمثيل يجذب المتلقي لأعماله النحتية. إذ تتواجد الخبرة وتمنح موضوعا معينا عبر كشف المفارقة في الشكل، فقد تجد وأنت امام منجزه النحتي ما يجمع بين المرمر والحديد وبين الخشب والحجر، حتى أن المتلقي يعي أن التوافق في منجز التقنية سيتبنى عنصر المفاجأة مع المهارة. وعليه سيكون لزاما أن نؤكد بأن غايته جماليّة لم تحدد من ضمن خصائص ثابتة، بل هناك اعتماد على التطبيق في هيكلة المنجز الواحد، مما يضمن أن الاشتغال عبر النحت لا يتوقف على مادة واحدة ترتبط بدلالة أو وصف معين. 

سنرى معالجات في الشكل تبدو غاية في البناء الهندسي ينفذها بأحجام متوازنة وتنظيم يتضمن المهارة والفرادة. جاء كل ذلك التطبيق بتحديد منهجيّة لها شروط جماليّة يسعى لها الشجيري كتعزيز يراد له أن يشار في هذا المسعى إلى قوة الاسلوبية ومدى حرصه وتفانيه في انجاز منحوتات مختلفة ترتكز على تحديث العمل والرغبة في تهيئة أعراف فنية تلاقى الاستحسان أمام المشاهد. 

محمد الشجيري نحات يحدد نزعة الشكل قبل الذهاب للمحتوى التعبيري، كأنه يعمل ضمن ذائقة مختلفة من أجل معيارية تخص أسلوبه، فهو يتقن المزاوجة بين خامات لا يمكن أن تجتمع إلا بتوافق عبر مهارة بنائية وصعوبة في الاداء والتركيز على تكوينها، ومما يحسب له أن أعماله المركبة يحددها خيال مشع ينتقل بالمتلقي إلى أكثر من تأويل 

وفكرة.

هذا التصور مبني على ثقته بما ينجزه، وبما يتعين بأهدافه في التعبير والبناء الشكليّ معا. فكلما توقفنا أمام جديده ستلتبس علينا الفكرة واظهارها أمام وقائع يومياتنا، لكننا سنقف في النهاية أمام موضوع واتجاه معين يدعو للتأمل والمراقبة. وهذا التناقض لم يأت من فراغ، بل هو طرح مشترك بين فكرة العمل وما يحتويه من أبعاد تعبيريّة وجماليّة، وبين صعوبة توسع بنائي يستند على أكثر من خامة، وبما أننا نحتاج لمنحوتات تبدو أكثر بساطة أمام اعيننا إلا أنّ الأقرب لتمثيل فكرة هذا النحات هو الذهاب بنا لمناطق متخيلة وغير مبتكرة.

في هذا السياق يلعب الأسلوب المختلف دوراً فعالاً في تلك الانعطافة، فهي مثالية من جهة واكتمال لتصوير يستدعي استمالة المخيلة من جهة ثانية، فكيف للمتلقي أن يواجه كل هذه الفرادة في طريقة صب العمل النحتي من ضمن تراكيب لخامات متنوعة تجمع المرمر مع الخشب والمرمر مع الحديد، وتنتهي بأعمال غاية في الجمال.

وعلى أي حال ثمة تشييد لانتقالات اسلوبيّة فرضها متغير يتبناه هذا النحات، وعرض يغوي متلقيه وهكذا تتحد وقائع النحت مع آلية اشتغالها وتعبيريتها لتكون في نهاية الأمر مساحة واسعة لتمثيل ما هو متخيل وواقعي في رؤية مشتركة، فهل يتسع نطاق تأويلنا لكل ما تعمل عليه يد هذا النحات من مهارة أم علينا أن نراقب كل جديد يقدمه لنا لنعرف مدى معياريته وما يجاريها من مسعى في مناطق تبدو غريبة أمامنا.