زيارات وسياسات

قضايا عربية ودولية 2023/11/30
...

علي حسن الفواز



تكشف الزيارات المكوكيَّة لوزير الخارجيَّة الأميركي أنتوني بلينكن إلى الشرق الأوسط عن الحرج الأميركي، والبحث عن "خطوات واقعية وملموسة" كما سمّاها للحديث عن معالجة حقيقية لـ"القضية الفلسطينية" والتفكير جدياً بإنشاء "الدولة الفلسطينية" والاعتراف بها دولياً، لأنَّ ما حدث في عدوان كيان الاحتلال على غزّة فضح ستراتيجية هذا العدوان "الأمنية والسياسية"، بل إنه أسهم في إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهات الواقع الدولي والإقليمي، فضلاً عن أنَّ معطيات هذا العدوان عكست فشله في تحقيق أهداف الاحتلال، رغم كلّ التدمير الذي أحدثه عبر القتل الإجرامي الممنهج لأكثر من 14 ألف فلسطيني، وكذلك تدمير البنى التحتية في القطّاع بما فيها المستشفيات والمدارس والكنائس والجوامع، وحتى تبادل الأسرى والمحتجزين بين "حماس" وكيان الاحتلال كشفَ من جانب آخر عن وجود "نقاط توازن" في القوى، يمكن استخدامها في تحقيق الهُدن الإنسانية، وفي تمثيل عملية التبادل التي نقلتها أغلب وسائل الإعلام في العالم.

زيارات بلينكن لم تقتصر على دول الشرق الأوسط، بل أخذت طابعاً دولياً، ولعلَّ زيارته الأخيرة إلى طوكيو تؤكد مدى الضغط الذي تواجهه الولايات المتحدة، على مستوى دول حليفة لها، وعلى مستوى الرأي العام العالمي، الذي تزداد توجهاته ومساحاته داخل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لاسيما أنَّ وسائل الإعلام لم تعد تخشى سياسات الاحتكار المعلوماتي والإخباري الذي تفرضه المؤسسات الأميركية، فأضحت الصورة ومصادر نقل وسائل التواصل الاجتماعي من أبرز المصادر التي تفضح العدوان، وتُدين جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال، وصولاً إلى مطالبة المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العام باتخاذ الإجراءات اللازمة، وعلى وفق استحقاقات القانون الدولي الخاص بجرائم الحرب.

زيارات بلينكن رافقتها زيارات كثيرة لمسؤولين أميركان، ذات طابع مخابراتي، ودبلوماسي وعسكري، وعلى نحوٍ يجعل من معالجة هذا "الملف" على رأس الأولويات، وبما يجعل السياسة الأميركية الداعمة للعدوان أمام إكراهات داخلية ودولية، تبدّت من خلال تصريحات الرئيس الأميركي بايدن، وكبار الدبلوماسيين، وتحت يافطة البحث عن معالجة إنسانية وتأمين "إطلاق الأسرى" ومواصلة تقديم المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة، فضلاً عما يتعلّق بالرغبة في تفادي أيِّ توّسعٍ لـ" الحرب" وامتدادها إلى مناطق أخرى لم يستطع كيان الاحتلال تحمّل تبعاتها العسكرية والاقتصادية والسياسية.