الفرقُ الشبابيَّة التطوعيَّة.. خدماتٌ مجانيَّة وعطاءٌ بلا حدود

ريبورتاج 2023/12/03
...

   رحيم رزاق الجبوري

لا أحد ينكر حجم الفضاء الرقمي المتاح وحسناته الكبيرة؛ بجعله العالم عبارة عن قرية صغيرة. حيث أسهم ببروز نوافذ واسعة أسهمت بشكل كبير بإثارة عنصر الخير والجمال والوفاء والتكافل والإحساس بالآخر في النفس البشرية، ولعمري هذه البذرة أينعت في مجتمعنا وبانت ثمارها تغطي ربوع الوطن. فرأينا الشباب العراقي يتسابق في إنشاء فرق وتجمعات، تعنى بنشر وتعزيز وإشاعة الفنون والجمال والسلام، والحفاظ على الموروث الحضاري والتراثي للبلد، ومساعدة المرضى والمحتاجين والمتعففين وإيوائهم، وبناء وترميم الدور والمنازل والمدارس، وبعضها اهتم بحماية الحيوانات الأليفة وإنقاذها، وأخرى اختصت بالترويج لثقافة علوم الفلك وغيرها.

كل هذه الروافد المضيئة في المجتمع هي علامة طيبة تدعو للفخر والزهو والغبطة؛ لأن أساسها وركيزتها هو العمل الجماعي والتطوعي، وتعطي رسالة مفادها بأن تكافل المجتمعات في ما بينها هو من أعظم الأعمال عند الله تبارك شأنه، إضافة إلى أنها تغذي الجانب الإنساني والاجتماعي والثقافي بين الأفراد والمجتمع، وتنمي قابلياتهم بالاعتماد على النفس والإحساس بالآخر. تعالوا معي نتناول تجارب رائعة من الشابات والشبان العراقيين، الذين قدموا لنا درسًا قيمًا في العطاء والإيثار والوفاء والتكافل الإنساني، وإظهار القيمة الحقيقية التي يكتنزها الفرد العراقي وتفاعله مع قضايا الأمة واحتياجاتها.

أثر الفراشة
يقول علي خليفة، مدير ومؤسس (فريق أثر الفراشة) المتخصص بالرسم على جدران البنايات والمدارس: "تأسس فريقنا في عام 2017، والهدف من إنشائه هو إشاعة الجمال وبث روح التفاؤل والأمل من خلال الرسم على الجدران. وطريقتنا كفريق فني يرسم على الجدران مختلفة، وتكاد غير مسبوقة في العراق والوطن العربي. فنحن نعمل على الفكرة، ونوظف الجدران والأشجار أو أي شكل من الأشكال لرسمة معينة أو خاصة؛ نبث من خلالها رسالتنا الهادفة إلى المجتمع. فالأصل لدينا هو بلورة الفكرة وإبراز دلالتها الثقافية والتوعوية، وترجمتها لعمل فني جمالي وليس مجرد صورة أو لوحة ننقلها على الجدار فقط. وتواجهنا بعض الصعوبات والتحديات؛ لكن ما نعانيه هو صعوبة التنقل التي تحتاج لأجور واحتياجات أخرى؛ فالأيام التي نخصصها للحملات التطوعية ليس فيها مكسب مادي. لأن جميع الجدران العامة التي نقوم بالرسم عليها، هي بدون أي مقابل سواء كانت مدرسة أو بيتا أو غير ذلك، وتكون مواد الطلاء والرسم على صاحب المدرسة، أو البيت، وأحيانا تكون من حسابنا الخاص ونتعاون في شرائها. وطبعا نحن فريق مستقل، ولا توجد أي جهة داعمة لنا، ونشاطاتنا في أغلب مناطق بغداد، كما أن التطوع مفتوح لجميع هواة الفن وصناع الجمال والحياة والسلام".

دار السلام الفلكي
تروي سماح فلاح مديرة (فريق دار السلام الفلكي) الذي تأسس في عام 2023، وهو فريق مسجل في وزارة الشباب والرياضة/ دائرة الرعاية العلمية، في بغداد. وهو الفريق الفلكي الوحيد الذي تديره فتاة، إذ تقول: "هدف الفريق هو نشر علوم الفلك والفضاء بين الناس؛ عبر إقامة وتنظيم العديد من الأنشطة كالتخييم ورصد الأجرام السماوية بالتلسكوبات والأمسيات ورصد الأحداث الفلكية كالخسوف والكسوف ومرور المذنبات بالأرض، فضلا عن إقامة المحاضرات والمسابقات الفلكية وغيرها، علما إن تجمعنا يحتوي على فريق خاص بالأطفال والناشئة تحت سن الـ(15) عاما، واسمه (فلكيو المستقبل) ولهم نشاطات خاصة بهم كزيارة المتاحف والمكتبات وإقامة ورش خاصة بهم بهدف التعريف بعلم الفلك وتطويرهم في هذا المجال، خاصة وفي مختلف العلوم الأخرى، كما أن جميع أنشطتنا مجانية 100 %‎ والانضمام متاح للجميع".

إنقاذ الحيوانات
وتشير مديرة (فريق إنقاذ الحيوانات في بغداد) ندى صالح، بالقول: "إن الهدف من إنشاء هذا الفريق؛ هو إنقاذ الحيوانات المعاقة في الشارع، وإيواؤها. وهدفنا المستقبلي هو محاولة الحد من قتل الكلاب السائبة بتنظيم عمل مشترك مع كلية البيطرة بإخصاء ولقاح الكلاب ووضع علامة دالة لها باعتبارها كلابا غير خطرة. وأساس عملنا هو الدفاع عن حقوق الحيوانات وعلاجها. بدأ الفريق عمله في عام 2018 متكونا من أربع بنات بإنقاذ الحيوانات، وكان عملنا أون لاين عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي؛ بمعنى يتم التبليغ عن حالة حيوان بحاجة إلى تدخل جراحي عن طريق بريد الصفحة؛ فيتوجه "تكسي" بأجر مالي إلى الحالة، ومن ثم إلى الطبيب البيطري وبعد العلاج يتم نشره للتبني. وفي عام 2020 تطور المشروع وكبرت طموحاته، حيث تم شراء دونم زراعي في أطراف بغداد/ الرضوانية، وبناؤه لإيواء الحيوانات المعاقة فقط، مجهز بجميع الخدمات مع موظف مسؤول عن الملجأ، وتم تسجيل الفريق كمنظمة رسمية في رئاسة الوزراء. وأبرز النشاطات التي نظمناها هي إنقاذ حياة آلاف الحيوانات على مدار هذه السنين، ونسعى لانضمام عدد من المتطوعين في فريقنا من محبي وهواة تربية الحيوانات، كما نطمح لعمل ورش توعوية وتثقيفية في المدارس؛ حول إيقاف إيذاء الحيوانات ومحاولة إشاعة الثقافة الإنسانية التي تعدُّ شبه مفقودة في مجتمعنا تجاه الحيوانات".

الفُتوة التطوعي
ياسر العبدلي، مدير (فريق الفتوة التطوعي) الذي ينشط في مدينة الفلوجة، والذي تأسس سنة ٢٠٢٠ وجميع نشاطاته إنسانية، يتحدث، قائلا: "عملنا على أكثر من حملة إنسانية، منها توزيع المدافئ الكهربائية والبطانيات والسلات الغذائية، والملابس الشتوية على العوائل المتعففة والأيتام. وعندما رأينا المجتمع بحاجة إلى تطوير وتنمية فكرية عملنا على إقامة أكثر من ورشة ثقافية متنوعة في جميع المجالات، ودخلنا المدارس والكليات والمعاهد، والحمد لله، كل هذا بجهود ذاتية ففريقنا مستقل ويتكون من كادر شبابي ونسائي، ولنا نشاطات تخص النساء أيضا. ونحن في تطور مستمر؛ بفضل انضمام الكثير من المواهب والطاقات إلى تجمعنا؛ من مصورين ورسامين ومصممين وخياطين، إضافة إلى بعض العاملين في مجال المونتاج، ومعلقي الصوت وغيرهم. ومن نشاطاتنا الأخيرة، حيث قمنا بتوزيع عدد كبير من الملابس والسلات الغذائية على الأيتام والمتعففين بالتنسيق مع عدد من المؤسسات والمنظمات الإنسانية، كما نقيم الأنشطة الثقافية والتوعوية التي تساهم في نشر ثقافة السلام والتعايش والحفاظ على السلم المجتمعي والتحذير من العنف والتطرف".

شبعاد الثقافي
إلى ذلك تذكر أسراء عطية، مسؤولة (فريق شبعاد الثقافي) بالقول: "إن فريقنا تأسس سنة ٢٠٢٢، وهو فريق تطوعي ثقافي إنساني. يهتم بكل الجوانب الإيجابية التي لها تأثير في المجتمع، ومنها دعم المواهب الشبابية، والحملات الإنسانية والنهوض بالجانب الفكري، إضافة إلى التوعية الإعلامية الهادفة والصحيحة، ويسلط الضوء على الأماكن الأثرية والتراثية وتعريف الناس بأهميتهما وزيادة الوعي الحضاري والبيئي". وتضيف مدلول، التي تعمل في وزارة الثقافة والسياحة والآثار، ومتخصصة في الجوانب الأدبية والفلسفية والفكرية، ومهتمة بالنشاطات التنموية، ومحبة للآثار والتراث العراقي والمعالم التاريخية، قائلة: "إن نشاطاتنا كثيرة ومتنوعة ومستمرة. حيث نظمنا زيارات عديدة للأماكن الأثرية والتراثية في جميع محافظات العراق، ومنها: بابل وتل الزندان في شهربان وجسر الوند في خانقين والمتاحف وطاق كسرى والبانوراما، وناحية الزوية، وقصر البنت، ومقام الأربعين والخمس أصابع ودير البنات، والبلاج، والأهوار ومتحفه، والبيوت التراثية، ومنزل داود الوتار، وبيت د. عبد الجبار عبد الله، وعبد المجيد الشاوي في بغداد، وزيارة الكنائس القديمة، والمقبرة الملكية، ومنارة الهنود، ومنارة زمردة خاتون، وأماكن أثرية وتراثية أخرى مع التوثيق الإعلامي لكل معلم من هذه المعالم، كما نقوم بعقد الورش والندوات التوعوية التي تخص المناخ والتصحر والبيئة ومحاربة المخدرات والابتزاز الإلكتروني. وفعاليات خاصة بالأطفال كالرسم والموسيقى والدمى ومحاضرات الإرشاد والنصيحة، فضلا عن مشاركتنا مع فرق أخرى بعمليات تطوعية وحملات تنظيف للأماكن الأثرية، وحملات خاصة بالبيئة وطريقة الحفاظ عليها، إضافة إلى القيام بزيارة دور الأيتام والمسنين. وحصل الفريق على العديد من كتب الشكر والتكريم من قبل وزارات الدولة ومنظمات المجتمع المدني والاتحادات وجهات أخرى".

ناشطون من أجل العراق
بفخر واعتزاز، يروي علي الساعدي، رحلته وأجمل ذكرياته مع العمل التطوعي، حينما أسس قبل 14 سنة تجمعا لشبان المحمودية؛ لينمو هذا التجمع يوما بعد آخر، وينبثق عنه (فريق الناشطين)، إذ يقول: "بدأت أول أعمالنا التطوعية في القضاء بالقيام بحملة لمرض الكوليرا، وتوزيع الماء الصالح للشرب، والمعقمات على الأسر. بعدها تطورت نشاطاتنا إلى ترميم المنازل وتوفير العلاجات وإيجاد مصدر رزق لعدد من الأسر، إضافة إلى تنظيم حملات الزواج للشبان وتوفير مستلزماتهم، وحملات دفع تكاليف الكثير من العمليات الجراحية، وعمليات زراعة الكلى، وحملات طلاء المدارس وتجهيزها بالكهربائيات، وزجاج النوافذ والرحلات. والحملات الخاصة بزيارة الأربعين، إضافة إلى تقديم الدعم اللوجستي للحشد الشعبي، ومساعدة النازحين وغيرها. وخلال 10 سنوات تم جمع ما يقرب من 300 مليون دينار عن طريق التبرعات الفردية أو الاشتراكات الشهرية لعدد من الأعضاء، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، علما إن الفريق أصبح منظمة رسمية مسجلة في رئاسة الوزراء".