حسب الله يحيى
في القاموس السياسي العراقي بعد 2003؛ دخلت مفردات جديدة، كانت غائبة عن الذهنيات السياسيّة والشعبيّة.
من هذه المفردات: المكونات المحاصصة، التوازن، التوافق، البيت الشيعي، البيت السني، العملية السياسية.. وغيرها.
في حين كانت كل هذه المفردات تختزل في مفهوم: الوحدة الوطنيّة أو الجبهة الوطنيّة.. فهل تعد العودة إلى هذا المصطلح خللا قد يصيب الأوضاع السياسيّة في عراق ما بعد 2003؟.
إنَّ المفردات الجديدة المتداولة على ألسنة كثرة من (السياسيين) و(المحللين) الجدد الذين لم يكن لهم حضور لا سياسياً ولا اجتماعياً ولا معرفياً ولا (تحليليَّاً) من قبل، بينما يؤكد علم السياسة على المعلومة والتحليل والاستنباط والمنطق والبرهان.. الذي يفتقد إليه الجيل الجديد ممن يتخذ السياسة هواية، والتحليل على وفق القرب أو البعد من هذه الجهة أو تلك.. فضاع العلم والموضوعيّة والسياسة ومنطق الحوار..
ولو راجعنا المفردات التي غزت الإعلام الراهن؛ لتبيّننا أن وراءها جيشاً من المنتفعين الذين يعيشون على توليد هذه المفردات التي تعلن وتصر على استخدامها لهذه المفردات وذلك بهدف: العزل، والتقسيم، والتمييز بين هذه الفئة أو تلك من مواطني العراق..
لذلك كانت النتيجة من هذا الاختيار لعدد من المواقع العليا والوزارات، وحتى المواقع الأدنى في العمل الإداري للدولة العراقية؛ يعاني من الترهّل وغياب الخبرات والاستغناء عن الكفاءات، لمجرد أن أسماءها غائبة عن هذه التقسيمات الفئويّة والاجتماعيّة للمجتمع العراقي، الذي كان يشكل نسيجاً متقناً يسوده الوئام والمحبة والسلام، ذلك أن الوطن هو الجامع الأساس للجميع.
وعلى الرغم من وجود الانتخابات، إلا أنّها لم تفرز أفرادا يمكن ان نعدهم قامات في بناء المجتمع العراقي.. بل هناك على العكس، ثمة توجه خفي في التخلص أو الاستغناء عن هذه القامات، وعزوف عن المجيء بها لتولي مهام قيادة البلاد والتوجه إلى شواطئ السلام والأمان وبناء الوطن.. من هنا وجدنا عدداً كبيراً من أعضاء مجلس النواب في حالة غياب عن المشهد السياسي والاجتماعي، لسبب أساس في الغالب وهو الجهل بمهام البرلمان وعمله أصلا.. وقد تمَّ الترشيح لعضوية البرلمان لأسباب نفعية ووجاهة لا غير..!. أما العمل على سن قوانين تراعى فيها مصلحة العراقيين ومراقبة عمل الوزارات والكشف عن الفاسدين، فإنّها ظلت أمورا لا تجري في موقف هذه العناصر الطارئة على الواقع السياسي والاجتماعي والإداري للبلاد.
ولو تأملنا وراجعنا طبيعة هذا المشهد في واقعنا الراهن وعلى مدى عقدين من الزمن، لتبيّننا أن السبب الأهم الذي يكمن في واقع إدارة البلاد؛ هو هذه (الشخصيات) التي تبوأت مناصب تجهل أبجديات العمل فيها.. من دون أن تحسَّ بالخجل أو نقد الذات وتقريعها وهي تشغل مواقع غير مؤهلة لها مطلقا، في وقت نجد فيه كفاءات نزيهة وخبيرة وخيرة خارج هذا المشهد..
واذا ما وجدت فإنّ التآمر يدور حولها إلى ان يتم التخلص منها وانهاء دورها الوطني في خدمة البلاد والعباد.
نعم.. إنَّ العوة إلى الخطاب الوطني، هو السبيل الوحيد والأهم في بناء الدولة العراقية التي نحتاج اليها بوصفها الدولة التي لا يشغلها إلا بناء الوطن والمواطنة السليمة.
واذا ما أخذنا بهذا الهدف في ظل التمزقات والخلافات السياسيّة التي تعصف بالواقع الراهن والخروج منه بسلام؛ فإنَّ أسلم وأنجح الخطى، تقوم على العمل الوطني الموحد، والبعيد عن هذه الخطابات الفئوية الضيقة التي تمزق وحدة الوطن والمواطنة..
ويكفي ما مررنا به من مآسٍ وما دفعناهُ من خسائر بشريّة واقتصادية، في هذا البلد الذي يتطلب منا جميعا إعادة بناء الانسان على وفق الأسس القيميَّة النبيلة والتوجه إلى بناء الوطن وإعمار البلاد.