فَدْرَلة العراق على طاولة مؤتمر السلم والأمن

آراء 2023/12/03
...







 شيروان الشميراني

 أطلقت الجامعة الأمريكية في كردستان النسخة الرابعة من مؤتمر «السلم والأمن في الشرق الأوسط « meps2023، لا شك أن هذه المنتديات ليس القصد منها معالجة الإشكاليات القائمة ولا تدعي ذلك، وإنما هي تبحث فيها من أجل بسط الحديث عنها وتحديد الملامح التي ترشد المعنيين للتعامل معها، الإشارة الإيجابية، التي أرسلها الموسم الرابع كانت في طابعه الدولي حقيقة وليس إدعاءً، ربما التوقيت كان لصالح القائمين على برنامجه حيث الإشكالية الأكثر خطورة يواجهها العالم بعد الحرب العالمية الثانية متمثلة في الحرب الإسرائيلية في غزة، والتي بدأت بهجوم من حركة حماس، لخَّص المتحدثون مجمل السياسات القائمة على المستوى الدولي المتعلقة بهذه الحرب، كما أعطى مستوى الحضور أهمية معنوية على المستويين الدولي والمحلي..
 أرادت الجامعة الأمريكية في كردستان إرسال الرؤية للأحداث الجارية للعالم من دون المرور بمراقبة خارجية، والإتيان بالرؤى الدولية الأخرى إلى كردستان والعراق كله، من أجل إطلاع النخبة الكردية المعنية والنهل من العقل التحليلي الأجنبي، وقد أصاب الهدف بتلخيص الرؤى العالمية للأحداث في ثلاثة أيام 19 -  21 -  من شهر  نوفمبر.
كانت إشكالية “فَدْرَلَة” العراق كما ينص دستوره من ضمن المحاور التي أخذت حيّزاً محترماً من الوقت، سواء من المتحدثين أو من الكلمات التي أخذت طابعاً سياسياً رسمياً للدول والعراق “ممثلاً برئاسة البرلمان” وكردستان كذلك وشخصيات عراقية من البصرة إلى بغداد، فقد أعطت أحاديث رؤساء الإقليم والحكومة والوزراء عن المشكلة القائمة بين بغداد والإقليم، وهي مشكلة تتعلق بالنظام الفيدرالي في العراق جلسة كاملة كانت، للحديث عن العوائق التي تقف أو هي واقفة في الطريق، بأن العراق يتعثر في تجسيد المبادئ والأسس على طريق بناء نظامٍ فدرالي.
 من منظوري وكما لاحظته من المتحدثين والرسائل الواضحة من رئيسي الإقليم والحكومة ونائب رئيس الحكومة في كردستان، أن القائمين على أمر الحكم في بغداد “ أي الطبقة السياسية” غير جادين إلى الآن في صبغ النظام العراقي الحالي صبغة فدرالية، ولهذا يتعثر الدستور منذ 17 عاماً، ويمكننا تحديد العوائق، التي كانت محل الاتفاق، في النقاط الثلاث التالية:
طبيعة أو مَرام الطبقة السياسية الحاكمة في العراق.
غالبية المؤشرات توحي أن من بيدهم الحلّ والربط في بغداد ليسوا بالجدية الكافية لوضع العراق على مسار الفدرلة، سواء كان من الجهل وعدم المعرفة، وهذا مستبعد لأن الأمر لو كان كذلك لأُستعين بالخبرات الدولية، أو أنهم لا يريدون أصلاً توزيع الصلاحيات بين المركز والأقاليم وهذا هو المرَجَّح، أقول هذا “وهو ما تم التوصل إليه من قبل المتحدثين” بناء على خبرتي ومتابعتي الدقيقة لعقدين كاملية لأمور هذا البلد، والأسباب كثيرة ليس مقالاً محدداً مجال سردها، لكن ما لا تخطئه العين هو أن الجيل الجديد من سياسيي العراق لا يملكون ذات الرؤى لما يريدون أن يكون عليه، أي إنّ التراجع عن النظام الفيدرالي ظاهر في التصريحات والتصرفات أو هكذا يبدو للمراقب، ولنكون أدق في التعبير فإن الدستور قد كتب بتحالف مسيطِر بين الشيعة والكرد، ومعارضة أو مشاركة محدودة من السنة العرب، في وقته كان الشيعة مصرّين على النظام الفيدرالي على عكس إخوانهم العرب من السنة، لكن الأمر معكوس الآن تماماً، فالسنة باحثون عن الفدرالية لمناطقهم لكن الشيعة يقودون السفينة عكس ما كانوا يرغبون في 2003، ليس فقط للمنطقة الكوردية وإنما لمناطقهم حيث مُنِعَ بشدة محاولات تشكيل إقليم البصرة مع أن سكانها يرون في النظام المركزي نظاماً فاشلاً.
المجموعات المسلحة. هذا عائق حقيقي قائم، عندما ينتصب شخص يوجه السياسات الرسمية اتجاهاً مختلفاً لما تريده الدولة، منها تلك التصرفات المعيقة للعلاقة بين إقليم كوردستان والمركز، لكن لا يصحّ تحميل المجموعات المسلحة كل الأفعال، فمما لم يتطرق إليه أحد من المتحدثين لا ضمن أعمال المنتدى، ولا من خارجها هو ما أسميه ب “الميليشيات الرسمية”، وأعني بها تصرفات مسلحة غير قانونية تنفذها أو تحميها قواتٌ رَسمية رسميةً كاملة، وهنا أقصد الأفعال التي تقوم بها قطاعات من القوات النظامية في كركوك من مضايقة أو مطاردات للقرى الكوردية وسكانها، أو توفيرها الحماية الرسمية العسكرية للعشائر التي تدعي الحق في أراضي وممتلكات القرى الكردية والتركمانية أحياناً، هذا النوع من الممارسات هي ليست مما تسمى بالفصائل المسلحة، ولا من السلاح المنفلت وإنما من السلاح المفروض أنه منضبط و مملوك للدولة، ربما هذه الملاحظة تحتاج المزيد من الضوء يُلقى عليها وبيان نسبة الحق والحقيقة فيها، لأنها تحمي نفسها من الملاحقة القانونية والأوصاف التي تُرمى على تلك.
المحكمة الفيدرالية. وهي قضية القضايا، كان الحديث عنها متعدداً، ضمن جلسات مخصصة أو إستطرادات، وملخص هذه الإشكالية الأساسية التي تقف كحجر يتعثر منه السائرون على الطريق، هو أنها مَحْكَمةٌ لها صلاحيات قانونية مطلقة، وسميتها مجازاً في مداخلة لي في اليوم الأول من المنتدى بـ”مَجْمَع الآلهة”، حيث لا يُسألون عما يفعلون، ويحمل بعض قراراتها ملاحظات كثيرة وتشوبها غايات سياسية، والجانب الكردي مُلام في هذا المجال، حيث لم يبادروا إلى توفير “حماية قانونية”، لحقوقهم في بغداد من مثل قانون النفط والغاز وتوزيع الثروات، كما القانون الناظم لعمل المحكمة الاتحادية نفسها.
وسجَّل أحد المتحدثين المتخصصين أن المحكمة تعمل من أجل تعديل الدستور عبر تفسير نصوص الدستور، وبهذا تُفرغ المادة المحدِّدة لطريقة تعديل الدستور من مضمونها ولا داعي للجوء
إليها.
 تلك النقاط الثلاث أهم العوائق في طريق فَدرْلَة العراق كما ينص دستوره، وكجزء من مقتضيات الحقوق ألحّت القيادة الكردية، التي كانت حاضرة طيلة أيام أعمال منتدى السلم والأمن في الشرق الأوسط  على الاعتماد الكامل في حلّ هذه الإشكاليات على الدستور، وأن القائمين على الأمر في بغداد سيجدون القيادة الكردية صديقاً مخلصاً على هذا الخط.