ما بعد الحلبوسي

آراء 2023/12/04
...

 د.عبد الخالق حسن

صعود سريع، وهبوط أسرع، تلك هي باختصار قصَّة رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي الذي انتهى زمنه السياسي بقرار من المحكمة الاتحاديَّة.
حتى وقت قريب، كان الحلبوسي وحزبه والمتحالفون معه هم الأكثر حظاً للفوز بأيِّ انتخابات تمثيليَّة نيابيَّة أو محليَّة في المحافظات التي يتوزع فيها جمهوره شمال وغرب العراق، فضلاً عن بعض مناطق بغداد وديالى.
طموحات الحلبوسي في الزعامة كانت أحد أسباب خروجه من أضيق أبواب العملية السياسيَّة، فهو قد عمل طوال ثلاث سنوات، وبالتحديد، بعد استقالة حكومة عادل عبد المهدي على ترسيخ وجوده وتجذيره بقوة، فبسط سيطرته على المكوّن الاجتماعي الذي ينتمي إليه، وأقصى من طريقه كل المنافسين المحتملين في الحاضر والمستقبل، وروَّج لسرديَّة مفادها أنَّ الحرس القديم، وكهول السياسة في المكوّن لن يستطيعوا النجاح في النهوض بمحافظاتهم، وأنّه وحده الشاب القادر على تحويل الصحراء إلى جنة خضراء.
لهذا، فقد كان أحد عوامل سقوطه السريع هو خروجه على أصول العمل السياسي، وتعامله بجفاء وقسوة مفرطة مع منافسيه ومعارضيه، حتى صرنا نسمع الكثير من الحكايات عن اعتقال هنا، أو إجراء تعسّفي هناك، أو أن أحدهم انتقد الخدمات المقدمة في مركز الانبار، فيتم اتخاذ إجراء إداري ضده بالنقل إلى أقصى مكان في حدود العراق الغربية. لينقل بهذا صورة ذهنيَّة مريعة عن مستقبل الانبار في ظل حكمه وحكم حزبه.
اليوم، ومع استعداد القوى السنيَّة لطيِّ مرحلة الحلبوسي، والتفكير في ما بعد هذه المرحلة، فإنَّ هذه القوى تبدو غير قادرةٍ على حسم اختيار المرشّح الذي سيُمسك بمطرقة رئاسة البرلمان. لأنَّ خلافة الحلبوسي  تتطلب عملاً مضاعفاً يثبت فيه الخالف أنّه سيعمل على أن يكون ممثلاً مخلصاً لطموحات المكوّن السُّني وليس طموحاته الشخصيَّة. وأن الأهم لديه هو عدم التعامل بانتهازيَّة مع الأحداث السياسيَّة المستجدة، وكلنا يتذكر كيف تعامل الحلبوسي مع أحداث تشرين التي استغلها لمصلحته، وانحاز فيها لحساباته الضيقة، فكان مثل الشوكة في جسد النظام السياسي. شوكة مؤلمة ومتورِّمة. وطبعاً لا بدَّ للقوى التي سترشّح بديل الحلبوسي من أن تراعي مقبوليته في الفضاء الوطني، وكذلك عدم تمرده عليها، مثلما كان الحال مع الحلبوسي الذي جاء به جمال الكربولي شاباً بطموحات غير مغالية، لكنَّ الذي حصل أن الحلبوسي كان أكثر الذين نكلوا بالكربولي.
المهم في كل ما حصل، أنَّ العملية السياسيَّة تظل قائمةً على فكرة منطق الصراع السياسي، والتداول السلمي، وليس وفق منطق الإقصاء والتنكيل والانفراد.